لا يكاد يمرّ اسبوع او اكثر دون ان تتعرض بلاد الرافدين الى عواصف ترابية هائجة تثقل هذا البلد الذي مازال يعاني من مخلفات وإرباكات بغيضة وانسداد سياسي رغم مرور شهور عديدة على الانتخابات.
ولا ندري متى نعدّ العدّة الآن لعودته الى مصاف الدول التي يشار اليها بالبنان ونحن تحت نقمة عواصف سياسية صاحبتها هذه العواصف الترابية التي لاترحم سقيما فجعلت العراق حمادة حمراء حيث لا مراعي طبيعية ولا أحزمة خضر تحيط بمدنه ولا مساحات مائية يعلق بها الغبار ولا مصدّات لتلك الرياح المغبرة القاتمة.
وتعجّ المستشفيات الآن بالكثير من المرضى الذين لا يطيقون هذه الاجواء والذين يعانون من ضيق التنفس وحالات الربو المزمنة وحتى المصابين بالتهابات القصبات الهوائية الخفيفة لم يسلموا من التيارات الترابية الحمر العاتية نظرا لكثافة الغبار التي تحملها الرياح وتسجل الدوائر الصحية عددا من حالات الوفاة التي تحصل جراء تلك العواصف.
دوائر الأنواء الجوية مافتئت تنبه المواطنين باحتمال حدوث عواصف مقبلة أخرى لأجل أخذ الحيطة والحذر للتخفيف من عبئها الثقيل وانعاساتها السلبية على حياة الناس وبالأخص المرضى منهم وبالأخص المبتلين بالربو وضيق التنفس.
يبدو ان الوزارات المعنية بمعالجة مثل هذه الحالات والتخفيف من كاهلها كوزارة الزراعة والموارد المائية لا تعنيها تلك الكوارث وكأن غضبا من السماء طالنا وأنزلت علينا ريحا صرصرا غبراء، والشيء المؤلم اكثر بان هذه العواصف بدأت تطول لأيام عدة ولا تجعلنا نهنأ بايام الربيع المعدودة قبل ان يأتينا الصيف بسعيره الذي لا يطاق الشهر القادم فقد بدأ غبارها يكثر ويكثر حتى انعدام الرؤية لمسافات قصيرة بحيث لا يستطيع المواطن السليم تحمّلها فكيف بالإنسان السقيم؟!!
في السابق لم نكن نشعر بمثل هذه الظواهر الترابية الا في بعض المناطق المتاخمة للصحراء في محافظة النجف والمثنى وكربلاء والانبار ولكن الامر الان وصل الى معظم مناطق العراق بما في ذلك الربوع الشمالية، اما بغداد فقد صبغت بلون احمر قانٍ رغم انها مطوقة بأراضٍ خضر ومناطق زراعية مطوّقة لبغداد مثل الراشدية والطارمية والرضوانية وغيرها.
الخبراء العراقيون في الزراعة والريّ - وما اكثرهم - قادرون تماما على معالجة المشكلة ووضع الخطط اللازمة لمعالجة تصحر الاراضي الزراعية ومن ثمّ القضاء على ظاهرة العواصف الترابية من خلال ما يلي وفق معلوماتي المتواضعة:
-- تطويق المدن بحزام اخضر واسع وكثيف وربما حزام ثانٍ أخضر للمدن المتاخمة للصحاري.
-- زيادة الاراضي الزراعية وتوسعتها في محيط المدن ومنع تحويل الحقول الزراعية والبساتين المحيطة بالمدن السكانية وتحريم توزيع أراضيها كقطع سكنية وجعل هذه الاراضي سلّة غذاء للمدن المجاورة لها بما في ذلك إنماء وإحياء الاراضي الصحراوية المجاورة لمدننا الكبرى.
-- إيلاء الاهتمام بالفلاحين ومنحهم السلف لتطوير مزارعهم من اجل نمائها فالفلاح اذا شعر بالإهمال يلجأ الى ترك أراضيه عرضةً للتصحّر وتقحلُ على مرور الزمن.
-- توسيع المسطحات المائية وانشاء البحيرات الاصطناعية ورفدها بالماء.
-- مطالبة الجانب التركي (العاقّ) بزيادة حصة العراق من الماء والضغط عليه من الاسرة الدولية والحدّ من إقامة سدوده الضخمة على نهري دجلة والفرات.
-- توزيع المياه بصورة عادلة بين الدول المتشاطئة وبموجب معاهدات ملزمة وتحت إشراف الامم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بالامر.
فتوفير المياه وتوسعة الزراعة وزيادة المسطحات المائية سواء الطبيعية منها او الصناعية وكثرة المراعي والاحزمة الخضر ومصدات الرياح المحملة المانعة لامتداد الغبار الى المدن والاحياء السكنية هي الحل الامثل لمعالجة التصحر الذي بدأ يغزو ارض السواد، ولاحجة مقنعة يتذرع بها المسؤولون عن نقص مياه دجلة والفرات فكم من دولة تفتقر الى الانهار لكننا نأكل من خيراتها ما لذ وطاب من خضارها وفاكهتها المستوردة الينا ذلك لأنها ابتكرت اساليب جديدة في سقي مزروعاتها واعتمدت على الخزين الهائل من الماء الموجود في باطن الارض وعملت شبكات ريّ غاية في الحداثة وما احرانا ان نستفيد من هذه الطرائق المبتكرة لاحياء اراضينا من جديد ونخلق ارض سواد حديثة يانعة بالخير والعطاء بدلا من ان يسميها البعض تندّرا بجمهورية العراق الصحراوية.
جواد غلوم