: آخر تحديث

غرور الجاهل

50
61
51
مواضيع ذات صلة

بالأخلاق يكون الإنسان، وبها تسود الأمم، وعليها تُبنى الأديان والشرائع، ومن أجلها بُعِث خير البشر صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعِثت لأتمِّم مكارم الأخلاق). 
وفيها يقول أحمد شوقي:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
في الواقع ليس من عادتي ومنهجي الرد على الأشخاص مُسيئين كانوا أم مُحسنين، ولكن عندما وجدت أنه شخصية عامة ومعروفة عند فئة معينة، ومع العلم أنني لم أكن أعرف هذا الشخص، ولم أسمع به مطلقاً، مع إقراري وتأكيدي على أن معرفتي له أو جهلي به لا تزيده ولا تُنقِصه، فلستُ معياراً للحُكم على البشر، ولكن دفاعاً عن الأخلاق وذوداً عن وطني وولاة أمري كان لزاماً أن أرد على هذا الشخص وجعله يدرك حقيقة نفسه. وكما قلت فإني لم أكن أعرفه على الإطلاق حتَّى أرسل لي أحد الأصدقاء جملة تغريدات له، فوجدته شخصية معروفة عند الشعب العراقي الشقيق، ويراه البعض منهم ويعتبرونه مُفكِّراً!! استوقفني وأثار عجبي واستغرابي تغريدة له يصف فيها نفسه قائلاً:
"أنا وارث إبراهيم ومحمد وعلي والحسين ص.
أنا هادم أوثان الدجل في هذا العصر. أنا مجدّد دين محمد ص في هذا القرن. أنا إمام التنوير..لا يُنْكِر ذلك إِلَّا حاسد أو جاهل. ولا يُحاربني إِلَّا المُؤدلَجون. أنا الذي تهفو لكلماته القلوب السليمة والأنفس الشريفة وتنفر منّي الشياطين".

تغريدة تنم عن ملامح بارانويا، إلا أنه لا يمكن الجزم بذلك إلا بعد أن يخضع للتقييم النفسي الإكلينيكي، تغريدة يتَّضح فيها شعور بالنقص يعتري كاتبها. سبينوزا، لوك، فولتير، هيوم، روسو...إلخ، رغم كل ما قاموا به وما يمتلكونه من أعمال لم يصفوا أنفسهم بكلمة واحدة مِمَّا وصف به هذا الشخص نفسه!! 
وفي حقيقة الأمر ظننت أنه بالفعل قد يكون مُفكِّر ولديه مؤلَّفات وبحوث ثقافية وفلسفية أو على الأقل دينية لكونه رجل دين شيعي، ولكن المفاجأة أنه وبعد البحث عنه وعن أعماله وجدت أن هذا الشخص مُفلِس بكل ما تعنيه الكلمة من معنى! ليس له من أعمال سوي تغريداته التي تحوي نفس المضمون:(العلمانية وضرورة فصل الدين عن الدولة، العلمانية والعلمانية والعلمانية...إلخ)، حيث نجده يكرر عبارات وأقوال وأفكار مفكري وفلاسفة عصر النهضة ولم يأتي بجديد. يقوم بتغيير الأسلوب في تغريداته والفكرة كما هي، يظن أن التنوير عبارات مُنمَّقة يكتبها في تويتر أو الفيس بوك! فكيف يعطي نفسه الحق بأن يصف نفسه بأنه إمام التنوير!؟ مع العلم أنه إن كان هناك إمام للتنوير في العراق فسيكون علي الوردي رحمه الله. ولا حاجة لذكر مسيرة الوردي وأعماله، فالمعروف لا يُعرَّف كما يُقال. 

لا يمكن لإنسان يحترم نفسه أن يقرأ تغريدات هذا الشخص دون أن يشمئز من كمية البذاءة والانحطاط، سقوط أخلاقي رهيب لا مثيل له ولن تجد له مثيل على الأقل لدى رجال الدين في الماضي والحاضر. والعجيب أنه يزعم أنه علماني التوجه ثم لا يلبث أن تجده يسيء لرموز السنة على الملأ! لن يطالبك أحد أن تحب عمرو بن العاص أو معاوية وابنه يزيد رضي الله عنهم أجمعين، ولكن على الأقل طبق المبادئ التي تؤمن وتنادي بها وكُفَّ عن إثارة الفتنة بين المسلمين سنة وشيعة. 

أمَّا تطاوله على سيدي ولي العهد حفظه الله، فأقول كما قال الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد:
بعيدٌ على أعدائه خدشُ نعلهِ
كَبُعد الضلال الفجِّ عن واضح الهُدى
عصيٌِّ على أعدائه حَجبُ خيرهِ
سُدى حَجبُ نور الشمس يا جاهلاً سُدى
وحتى لا يتَّهمني البعض بالطائفية وأنني سُنيٌِّ وهَّابي وهو شيعي لذا من الطبيعي أنني سأكون مُتحيِّزاً في حكمي عليه، فإني أقول: أنا شخصياً مؤمن بوجود رجل دين شيعي وأعتبره في نفس الوقت مُفكِّر كبير ولا أبالغ لو قلت عنه فيلسوف! وهو السيد كمال الحيدري، فلو نظرنا إلى أعمال الحيدري سنجد أننا نقف أمام قامة علمية تكاد تكون منقطعة النظير في عصرنا هذا، فالحيدري ليس فقط رجل دين بالمعنى الكلاسيكي، وإنما هو باحث ومُفكِّر وبحوثه ومؤلَّفاته خير شاهد على ذلك. وقبل أن يكون الحيدري رجل دين ومُفكِّر فهو إنسان بأخلاقه وأدبه وعفة لسانه، ليس وقحاً بذيء اللسان لا يخجل ولا يعرف الحياء. نختلف مع الحيدري في الكثير من الأمور لاشك في ذلك، لكن لابد من الاعتراف بأدبه وخُلُقهِ الرفيع وبعدها موسوعيته العلمية والثقافية. 

فحريٌِّ بك يا من تصف نفسك بأنك إمام التنوير أن تتعلَّم من هذا الرجل الذي يوافقك في الدين والمذهب والجنسية! 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.