: آخر تحديث

الموبايل والمخابرات في زمن الكورونا والثورات

82
76
69

قبل قليل وانا جالسة في عزلتي في شقة تقع شرق تورنتو، وصلني عبر الهاتف الجوال رسالة تنبيه من الطوارئ والحكومة الكندية تحثني كما الاف الكنديين على متابعة العزلة والحفاظ على مسافات امنة اذا خرج من بيته الفرد لحاجات اساسية كالتسوق للطعام والادوية أو زيارة طبيب. يبدو اننا لم نكن نحلم برقابة كمثل مخيلة جورج أورويل في كتابه الشهير 1948. لكننا اليوم من وخلال الهاتف الجوال وصلنا الى تطبيقات مشابهة ولغايات مغايرة. دول العالم وأولها الصين بدأت تراقب الأشخاص وتستدل على مواقعهم من خلال شبكة النت والهاتف الجوال وذلك لمراقبة انتشار فيروس كورونا في هذا الفصل. . وانت عزيزي الكاتب(ة) هل تريد أن تربح جائزة نوبل في الاداب ويكون الوباء بطل كتابك؟ اذا هيا الى العمل، ضع الموبايل جانبا وادخل صومعة المتخيل الحر زابدأ بالتدوين، واحلم بالمليون دولار من فضلك!
...
الرقيب يتبعك أينما كنت
لا يغيب عنا ان الارشيف الذي نبحث عنه عبر النت او نكتبه يمكن للسلطات او الجهات الامنية المعنية الوصول اليه. وهذا حسن للحد من انتشار الوباء، وللتعرف على المجرم ومكان تواجده، أو حتى للوصول الى الضحية من خلال اشارة الجوال اذا قتل فرد ولم يستطع الاهل معرفة مكان الجريمة أو الجثة. المستقبل سيكشف لنا ما خفي وما هو أعظم في هذا الميدان. ولكن ماذا لو كان انقطعت الاتصالات التكنولوجية والالكترونية في زمن الكورونا هذا، حيث العزلة والخوف والترقب في اقصاها!

هل لديك هاتف جوال وماذا يفرض عليك من سلوكيات وتبعات كمهاجر؟

دخول الموبايل الى ساحة التواصل الاجتماعي والثقافي فتح الباب عريضا لدخول لنسق جديد من الادبيات الجديدة. الموبايل وسيلة للتواصل والاستكشاف قهر كل الحدود الجغرافية التي كانت سابقا عائقا أمام تواصل المهاجرين مع أهلهم في البلاد. في الاساس، سلوكياتنا الفردية وخياراتنا الثقافية تتنوع من فرد الى اخر. دخول الموبايل كان بمثابة انفتاح على منظومات جديدة تبدأ بالاتصال الهاتفي، ولا تنتهي بامكانية البحث عن المعلومة بالسرعة القصوى. وصولا الى قتل الوقت بالادمان على (العاب المزرعة السعيدة ) وغيرها من العاب التسلية المتوفرة لعشاق هذا الجهاز.

المهاجر والشبكة الالكترونية
لي اكثر من 15 يوم لم التق احدا على الاطلاق بسبب التحذير من انتشار فايروس كورونا في كندا والعالم. كل علاقاتي عبر الشبكة حتى مع ابني الذي لم التق به منذ فترة. في كندا، بلد الهجرة والمهاجرين والعمل يصبح الموبايل أداة مهمة لا غنى لنا عنها. لقد قام الكثيرون بقطع خدمات الهاتف الارضي والاكتفاء باقتناء الموبايل للتواصل والبحث. بعض الصغار والشباب لا يعرفون الهاتف الارضي. المحتوى والسرية والوقت المخصص للشبكة الالكترونية والاجهزة الالكترونية له سياسات معلنة من قبل الشركات للافراد العاملين فيها.

وفجأة حل الوباء وأغلقت الشركات والحدائق والمقاهي وانسحب الجميع الى البيت ومعهم هذا الجهاز الصغير ليكون بمثابة رقيب ورفيق ومخبر ونافذة على العالم والاهل. الكل يحاول ان يظهر بأحسن حالاته النفسية والجمالية والصحية حتى لو كان من باب المبالغة والزيف والكذب.

هناك جيل يتحاشى استخدام الهاتف الجول لانه يكره الرقابة؟
الموبايل باب للحرية والانفتاح على العالم رغم كل القيود والحظر المفروض من قبل الاهل والحكومات على مستخدمي الموبايل في بعض البلاد. التقيت بشابة عربية طالبة جامعية في تورنتو استطاعت بالبحث عبر الموبايل ان تحصل على تأشيرة خروج من بلادها (الشديد التزمت) والحصول على بطاقة طائرة للسفر خارج البلاد هربا من تعسف الاهل والعنف المنزلي الذي خضعت له لسنوات. الموبايل، وما يحمل من رسائل واتصالات صار جهازا يدخل في تحقيقات البوليس حين وقوع مشكلة قانونية. وهو مخبر خبيث حين يريد الرجل ان يتلصص على زوجته ورسائلها، او حين تريد الزوجة ان تعرف ماذا يفعل الزوج في غيابها.

ويعتبر جهازا خطيرا وفقده يسبب الكثير من الخسارات لنا حين نعتمد عليه في تخزين المعلومات والارقام الهاتفية الخاصة بالبيت وبعلاقات العمل.
الهاتف المحمول بعد كورونا لن يكون كما كان قبل الفايروس

كأمرأة تعيش وحدها في كندا وجود الموبايل في يدي يمنحني بعض الأمان. يمكنني الاتصال بأي جهة حين أشعر بخطر على سلامتي، أو حين أحتاج الى اي نوع من الخدمات للتحرك في المدينة وفي أي وقت. من خلال عملي في الترجمة، استخدم الموبايل كل يوم للبحث عن كيفية الوصول من نقطة الى اخرى في مدينة تورنتو الشاسعة. كما أنني أتلقى طلبات خاصة للترجمة والكتابة عبر هذا الجهاز. شخصيا ألغيت هاتفي الأرضي. انقطاع الكهرباء الذي لا يحدث الا نادرا في تورنتو يرعبنا لاننا قد نخسر امكانية الاتصال اذا لم نتمكن من شحن الجهاز. البارحة حضرت مؤتمرا عن بعد بخصوص العمل في الترجمة الفورية عن بعد عبر الفيديو والهاتف. لاحظت ان المشتركين بعضهم في كندا، والبعض في البرازيل، اسبانيا، امريكا، بيرو، الهند وليس حصرا. هذا استعدادا للمرحلة القادمة والعزلة المحتملة التي قد تطول.
 
الآباء والأمهات والأبناء في عصر التكنولوجيا والكورونا
وصلني البارحة كتاب الكتروني بالانكليزية مخصص للاولاد لتوعيتهم حول هذا الوباء من خلال الشرح المبسط والصادق في نفس الوقت. اذ ان صدمة الصغار كبيرة في مرحلة العزلة المؤقتة والقسرية، ويحتاج الأهل الى معرفة كيفية توصيل المعلومة للاولاد بموضوعية بغية حمايتهم وتوعيتهم. الكتاب الورقي ليس مستحبا اليوم. ولكن الأمهات والاباء يعطون الموبايل للأولاد كي يلعبوا بالموبايل ويبحلقون في الشاشة لساعات طويلة مع ان البحث الاجتماعي من قبل المختصين في هذا الحقل يحذرون من مغبة استخدام هذا الجهاز طويلا لتأثيرة السلبي على تعلم النطق والكلام، وتأثيره على العين والدماغ. اعتقد ان الجيل الجديد، سيصير اكثر انعزالاً وأقل مهارة في التواصل الاجتماعي الذي هو الميزة الأثيرة لدى الانسان الذي عرف عنه كونه مخلوق اجتماعي.

المخابرات وأعوان الله والديكتاتوريات يحبون الموبايل والتلصص على الاخر سواء في حالة الوباء أو في حالات الثورات والعصيان، وفي حالات التعبير عن فكر مغاير وحر. وايضا يعشق الثوار الموبايل لأنه يوثق الحدث في اللحظة ويصل الى اخر العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي. هذه العزلة مع الرقابة قد تكون منصة لكتابات ادبية يكون الوباء بطلها والبشر ضحية سهلة واعدادهم تفوق التصور.
 
شاعرة وكاتبة ومترجمة سورية كندية
[email protected]


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في