: آخر تحديث

رحلة

84
82
77
مواضيع ذات صلة

السفر أو الترحال لأى سبب هو متعه مضنية لمن استطاع اليها سبيلا وخصوصا لمن هم فى مثل سنى وموقعى الجغرافى ، والمعاناه تبدأ من اجراءات طلب التأشيرة حيث يعتبر أمثالنا ذاهبون الى الجنه فنحاسب حساب الملكين على كل ورقة ومستند باعتبارها مزورة وكاذبة  الى أن يثبت العكس، بالاضافة لنظام جباية مجحف ومكلف بكل المعايير فبينما لايتكلف القادم الينا سوى 25 يورو تاشير دخول فى مطار الوصول تكلفت أنا مايعادل عشرين ضعف هذا المبلغ مابين رسوم التأشيرة ورسوم ترجمة ورسوم اعتماد أوراق وتفرعات أخرى كثيرة ،ورغم انى ذاهب لزيارة ابنى وهو مواطن أوربى استغرقت الاجراءات تسعون يوما بالتمام والكمال للحصول على تأشيرة قصيرة (استغرقت زيارتنا شهرا )وبالمناسبة وبعد وصولك  يتوجب عليك الذهاب الى البلدية للتسجيل والحصول على ورقة لاتتحرك بدونها مع جواز السفر ويجب أن تسلمها يوم مغادرتك.

ولما حاولت قيادة سيارة ابنى وكنت قد استخرجت رخصة دولية (كلفتنى نصف ألف من الجنيهات)من نادى السيارات المصرى هالنى النظام المبهر على الطرق ، ورغم اننى أقود السيارات منذ نصف قرن فى مصرنا العزيزة الا أننى اكتشفت أن القيادة هناك شئ مختلف تماما لم أتكيف مع معاييره الصارمة ، وقد ينبهر القارئ عندما أقول أن القيادة فى بلادنا ممتعة فهى مغامرة من النوع الذى يضفى اثارة وزخما للحياه فبعد كل مشوار تعود وكأنك ولدت من جديد ، أما عن الدراجات وأنا أحدثكم من منطقة تشمل جنوب هولندا وشمال بلجيكا فتلك قصة تستحق التأمل من كل الوجوه ،الوجه الاقتصادى والوجه الاجتماعى والوجه الصحى وحتى الثقافى والبيئى فهم يعشقون الدراجات وأظنها لديهم موروث تراثى يبدأ من سن الثالثة حتى نهاية العمر، ويأسرك مشهد أم تركب الدراجة ويتبعها صغارها  كل على دراجته المناسبة لسنه دون أدنى خشية فالطرق مجهزة بحارات سير خاصة والدراجه وراكبها مجهزون بوسائل الامان المرورى بدءا من المعطف الفسفورى حتى الاضاءات الليلية.

وبمناسبة التكيف فقد غادرت مسكنى فى جنوب مصروالحرارة تتجاوز الاربعين بدرجتين وهبطنا فى بروكسل والحرارة خمسة عشر درجة وتهطل الامطار على مدار الساعة وهذا الانقلاب المناخى يتطلب وقتا وجهدا لم يعد من السهل الحصول عليه.

والهولنديون طوال القامة ذكور واناث وينحسرشعر مقدمة رؤوس الرجال فى سن مبكرة أما الاناث فشعورهم تحتاج الى شاعر كى يصف جمالها.

وكاتدرائيات فخمة وكنائس كثيرة بمعمار عصر النهضة وأغلب مرتادوها من كبار السن وهى فقط تدق الأجراس والناس بعد ذلك أحرار ،وفى هولندا لاشأن للدولة بالكنيسة على الاطلاق وفى الشمال حيث تسود البروتستانتية فالكنيسة الكاثوليكية التى يعجز أتباعها عن رعايتها تعرض للبيع أو الايجار وبعضها تحول الى مسارح ودور ملاهى. أما على الجانب الآخر من الحدود حيث القسم الفلامنكى من بلجيكا الكاثوليكية الرومية فلازالت الكنائس تحت رعاية الدولة كم تنتشر كنائس صغيرة  تشبه الزوايا فى بلادنا فى قلب الغابات وكان الغرض منها هداية وارشاد الصيادين وجامعى الحطب.

وفى هولندا وبالتحديد فى جنوبها ايندهوفن تأسست  فيلبس فى أواخر القرن قبل الماضى، وفى نفس المنطقة انبثق عنها العملاق الاول فى العالم فى تكنولوجيا ماكينات تصنيع أشباه الموصلات والطباعة ثلاثية الابعاد  للدوائر المتكاملة بتقنيات النانو تكنولوجى وهى شركة قابضة أسهمها فى أكبر اسواق المال فى العالم ،وعدا العقول والعمل الشاق لاتوجد موارد من تلك التى تنبثق من تحت الارض فلا بترول ولا غاز ولا معادن فقط عمل وفكر ونظام يحترم القيم العليا وحقوق البشر وتوزيع عادل للثروة والناس فى الشوارع خليط أجناس والوان معظمهم من المستعمرات السابقة ولم الحظ اى تمايز أو كراهية  أو عنصرية لاى مكون من مكونات هذه المجتمعات.

والمتاجر تعج بالبشر والعروض على السلع على مدار العام ويوجد سلعة لكل المستويات فبينما يمكن تشترى سريرا بما يعادل مائة الف جنيه مصرى تستطيع أن تشترى سريرا بعشرة يوروهات من مخازن الاثاث المستغنى عنه بدون مقابل ،فكل من لديه أثاث لم يستطع بيعه يسلمه لهذه المحلات بدون مقابل بل ويدفع مقابل نقله ،وبمناسبة الاشياء المستغنى عنها نعرج الى نظام التخلص من المخلفات ونحن هنا فى شمال بلجيكا أو القسم الفلمنكى منها واتيحت لى فرصة زيارة لمحطة فرز وتصنيف المخلفات الصلبة ،وهالنى انى لم أرى عامل أو موظف ومن شدة تظافة وأناقة المكان حرصت على التقاط صورخلفيتها حاويات عملاقة مميزة بلون لكل صنف البلاستيك والورق والزجاج ولكل فرد حصة مجانية من مخلفاته أما مازاد فيدفع مقابل التخلص منه ويتولى برنامج كمبيوتر وميزان على باب المحطة كل تلك العملية بسهولة ويسر.

والموسيقى والقراءة والطعام هم محاور حياة هذه الاقوام ولازلنا فى جنوب هولندا وشمال بلجيكا وهم ينتمون الى عرق واحد الفلاندرز أو الفلمنكيين وينطقون لغة واحدة (النيرلاندية)وسبق وكانوا دولة واحدة حتى العام 1830 وللآن تتداخل الحدود وتقسم شوارع وقرى وأحيانا مبان .

وأخيراً عدنا الى الوطن ورغم مالقيناه من محبه وكرم وود وكنا وكأننا فى بيتنا لكن دائما يظل العود أحمد 

هذا الطرح هو انطباع وليس تقرير فأدب الرحلات له أصوله ورواده العظام وان كان قد تقلص بسبب الميديا وضمور المسافات الرقمية وثورة الاتصالات الا أن المشاهدة واللمس والتزوق تظل هى الوسائل الحقيقية للتعرف والتعارف على ومع الناس والثقافات والاحوال.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي