أبتليت الأمة الاسلامية منذ بداية الثمانينيات من القرن المنصرم بداء وبيل، إستفحل خطره وعم بلاءه، وهو ظاهرة الهجوم على المرأة والحط من قدرها، والنظر اليها بدونية وإتهامها بما يصل الى حد الفسق والفجور (والعياذ بالله)، من قبل بعض ادعياء الدين (والدين منهم براء).
مناسبة هذا الحديث، هو مقاطع من شريط فيديو للشيخ السعودي "سعيد بن فروة" تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي، هاجم فيه الأباء والإخوان الذين يسمحون لبناتهم واخواتهم بدراسة الطب او الصيدلة، ثم العمل في مستشفيات الدولة بجانب الرجال، واتهمهم بأنهم هم من فتنوا بناتهم واخواتهم بالاختلاط وتفسخ الغيرة، ووصفهم "بالاجرام والدياثة"، ودعا الله ان يشل اركانهم.
ثم هاجم الابتعاث الى الخارج الذي يؤدي الى ان يجلس الطلبة والطالبات بجوار بعضهم في قاعات الدراسة والنظر الى بعضهم البعض (وهذا امر بديهي وطبيعي)، وتساءل الشيخ (لا فض فوه) عن الشهامة والكرامة، واصفا الرجال بالفحول، حيث قال: "أنا وأنتم كلنا فحول، كلنا نشتهي ، اذا رأينا إمرأة جميلة ألا نعشقها ونشتهيها؟".
اتساءل هنا، اليس من المفروض ان يكون رجل الدين قدوة للأخرين، وسلوكه العام يجب ان يكون في نطاق الأدب والأخلاق الحميدة، ويبعد نفسه عن كل الشبهات؟ كيف تجرأ هذا الشيخ على شتم وسب عباد الله في بيت من بيوت الله؟ هل نسي قول الله تعالى: "إدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن."؟ ثم لماذا يجزم ويعمم على الناس ما يشعر به هو شخصيا من فحولة وعشق وإشتهاء كلما رأى إمرأة جميلة؟ لماذا لا ينظر الى المرأة الأجنبية (اي التي لا تتصل له بالقرابة) كما ينظر اليهاالأسوياء من الرجال، أي نظرة الأخ لأخته او الأب لإبنته؟
في السياق نفسه، تحضرني فتوى الشيخين "عثمان الخميس" و "سعد الغامدي" في شهر نوفمبر من العام 2004م، حول تحريم الإنترنت على المرأة بسبب خبث طويتها، ولا يجوز لها فتحه إلا بحضور محرم مدرك لعهر المرأة ومكرها. الفتوى بإيجاز هي: "بسم الله الرحمن الرحيم وبعد: فإن النساء مخلوقات كسائر مخلوقات الله، لكن فيهن ضعفا بينا وهوى يأخذهن صوب الحرام إن لم تجعل الضوابط الشرعية قائمة في المجتمعات التي يقمن فيها. وحكم دخول المرأة للإنترنت حرام حرام حرام. ففي هذه الشبكة من مواضع الفتنة ما قد لا تتمكن المرأة بضعف نفسها على مقاومته. ولا يجوز الدخول على مواقع الشبكة ما لم يكن برفقتها احد المحارم الشرعيين ممن يعرفون بواطن النساء ومكرهن وضعفهن امام الجنس والهوى".
اتساءل هنا، من هي المرأة بالنسبة لكل واحد منا؟ أليست هي الأم والأخت والزوجة والبنت؟ هل يرضى الله ان نلصق بهم صفات العهر والمكر وخبث الطوية؟ هذه الفتوى الفاسدة مناقضة لقوله تعالى: "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنا اكرمكم عند الله اتقاكم". وقوله تعالى في خلقه من الذكور والإناث: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها. وقول الرسول (ص): "الجنة تحت اقدام الأمهات". وقوله كذلك: "إنما النساء شقائق الرجال ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم". يقال ان الشيخين تراجعا لاحقا عن هذه الفتوى او أنكراها جملة وتفصيلا. لكن بعد ماذا؟ بعد ان رسخت في عقول ونفوس الكثير من العوام.
ادعياء الدين ينظرون الى المرأة نظرة دونية، لا يرونها إلا وعاء لإشباع رغباتهم الشهوانية الحيوانية، وانها سهلة الإنقياد لممارسة الرذيلة. لا ينظرون إلا الى الجزء الأسفل من جسم المرأة، أما الجزء العلوي حيث يقبع العقل – هبة الله العظمى – فلا يعيرونه اي انتباه. يروجون دائما في احاديثهم وخطبهم عن المرأة "أنها ناقصة عقل ودين".
بعد كل هذا التحريض يتساءل المختصون في علم النفس والاجتماع، لماذا يزداد العنف ضد المرأة في المجتمعات العربية والاسلامية؟ اقول لكم الجواب على لسان الفيلسوف "فولتير" حيث يقول: "من يجعلكم قادرين على الاعتقاد بصحة مثل هذه السخافات، يجعلكم قادرين على ارتكاب هذه الفظاعات".
أما المرحوم الدكتور "نصر ابو زيد" فيذكر في كتابه "دوائر الخوف – قراءة في خطاب المرأة": هل نحن إزاء خطاب ديني؟ مغالطة ان نقول ذلك، بل نحن إزاء تخلف قد يتوسل لغة الدين او لغة السياسة او لغة الاجتماع والاقتصاد، لكن في الحقيقة خطاب يكرس أزمة بقدر ما يعكسها، وهو ليس خطاب تخلف فقط، ولكنه خطاب إرهابي معتد، يمارس ضد المرأة كل صنوف الإعتداء التي وجدناها في حادثة فتاة العتبة والمعادي".