رغم أن وزن الدولة وقيمتها يتصف ويحدّد بيانياً بنسبة ثقافة شعبها وقيمة مثقفيها وعلماءها ، فأن الصفة النفسية والأجتماعية والروحية المعبأة في عقولنا هي جبروت الأعتقادات المذهبية.
هذه الاعتقادات الملازمة لمبادئنا الحياتية ليس عليها أي عيب ولا لوم إلا عند قيام البعض لتحويرها وتغييرها وتفسيرها لصالح فئة بعدائية وكراهية لبقية المعتقدات ، وخاصةً ممن يصف نفسه بالتدين والخوف من الله وهو يقتل لتهذيب الأخرين لخروجهم عن شعائره ودوافعه وسلوكه. " حولوا ليل الكافرين نهارا ....وخربوا ديارهم دمارا ....وإجعلوا دماءهم أنهارا ". هذه الصفة التي إعتنقها أبو بكر البغدادي وبشّر أعوانه في تنظيم داعش بها عند دخولهم وأعلامهم السوداء مدينة الموصل التي يقطنها مليونان ونصف من السكان الآمنين.
هل نحن أمة مُقسّمة الفكر مجزأة العقيدة ومعبئة بمعتقدات الكراهية للتعايش المذهبي ؟
قبل إختيار الكلام الذي يتناسب مع الكفاءات الدينية والعلمية وصفاتنا العامة ، تأكدوا وتفحصوا عمل المخابرات الأجنبية المسيّرة لصراعنا ومن يقود قتالنا وحروبنا الأهلية التي جعلت من المدن والقرى وسكانها خراباً ودماراً، والمخططة لفصائل القتل بكفاءة وكالات التجسس ومكاتبها كي تستمر حروبنا العبثية وتتعقد ويتأخر إيقافها. إختاروا يا أفغان القاعدة ويا أمراء داعش الخلافة الأسلامية الصفة الكلامية الدينية التي تعجبكم ، فتأخير وقف الصراع الدموي بين شعوبكم هو المخطط العام للمخابرات الأسرائيلية ويهودها الشرقيين المندسين بينكم وهم الموجهون والمزودون لطاقاتكم القتالية وتطعيم قتالكم المذهبي بالشعار الأسود (الله رسول محمد ) وبالأسلحة والعتاد المزود لكم وتغذيته بالمال كلما كانت الحاجة ملحة لإ ستمرار الدمار. أسرائيل وحلفائها كان لهم الدور الأهم والأكبر لمنع وقف القتال بين العراق وإيران وإدامته ل(8 سنوات) ، وتأخير وإستمرار وإدامة حرب ليبيا ولبنان وسوريا وتونس واليمن والصومال ، الذي لايدخل قي مصلحة المذاهب والجهلة من حملته ومناصرته وترويجه، وإنما يقع في المصلحة الأستراتيجية الأولى للدولة الأسرائيلية وبقاءها. تلتقط المخابرات الأسرائيلية وحلفائها ((من حوّلَ الليل نهارا ودمارا وأراق دم البشر أنهارا)) . فأذرع المخابرات الأسرائيلية بمكاتب موزعة على طول العالم العربي وأوروبا وقبرص ، ووكالة المخابرات الأمريكية لها 17 وكالة تنسيق العمل الأستخباراتي والعمل المضاد الهادف الى شق الصفوف وترويض المجاهدين بتغليب روح الكراهية المذهبية بكلمات ربانية. وكل تنظيم أرهابي يجاهد في سبيل الله ويلصق صفة الكفر والأرهاب على التنظيم الأرهابي الأخر. فمثلاً ، وصفَ تنظيم القاعدة ، تنظيم داعش بالجماعة "المنحرفة عن الدين " ، وتصف فصائل المعارضة السورية تنظيمات المعارضة السورية الأخرى بالعميلة المنحرفة عن الأسلام ، وتصف السعودية اليمن بالعمالة لإيران ، وتصف فصائل كردية أحزاب كردية أخرى بأنها عميلة الى تركيا وإيران وإسرائيل وأمريكا. ماأحلى ماتتسلى به إسرائيل بمعرفتنا وإشارتها الى نصوص كلماتنا وإعتقاداتنا ، وفرق الوكالات الجاسوسية وأجهزة تليفون ميدانية و وسائل مراقبة الكترونية تقف وتعمل وراء صفوف إنشقاقاتنا الجاهلية. حربنا بيننا وعلى أرضنا , وركود أفكارنا جعلتنا في سبات عقلي عقيم نبحث عمن سينتصر، وجيوش ((الله أكبر)) لعبة حارقة والمسلمون هم وقودها.
منذ نشوء الدولة الأسرائيلية ورؤوس الفتنة، والمحرضون على الدمار والخراب ، كان همهم وواجبهم هو تحويل ميدان قتالنا وحربنا كي لاتطال الأرض المغتصبة في فلسطين ((حربنا بيننا وعلى أرضنا )). وأرتبط الهاجس الأمني العسكري بدول منسقة لعمل المخابرات وأذرعها المتفرعة في البلاد العربية ووفرت للشعب الأسرائيلي حرية إمتلاك الأرض والأمان بنقل الصراع الى أرض العرب . (( علينا أن نعمل ونعمل ونعمل ، قبل أن يستفيق العرب من سباتهم )) هو ماكشفه لنا وأفصح عنه بن غوريون رئيس الوزراء الأسرائيلي السابق و زعيم الصهيونية . وهذا مانعرفه من صفات أطلقناها على أنفسنا وأطلقها الأخرون علينا .
هناك لا هنا . كيف يعجب البعض بحذاقة أمراء القاعدة وداعش وهم يجاهرون علناً " نحارب في سبيل الله وعونه" هنا في أرض الشام وبلاد الرافدين وهنا في ليبيا والسودان وهنا في اليمن والصومال ، وفقاً لمناهج الهيئات الشرعية الأسلامية المتعددة وإعترافاَ بقدوة وقدرة المجاهد لتوسيع أرض الخلافة هنا ، ولايلتفت الى هناك ، هناك الى موقع الارض المسلوبة المسروقة منذ عام 1948.
مقاومة الحكومات الأسلامية والمسيحية واليهودية لهذه المعتقدات واجب إلتزمت به كل الدول بذكاء وفطنة ومنعت تسرب سماتها العامة الى حياتهم اليومية، وهي الصفة التي تفرّقنا عنهم ، وعملتحكومات هذه الدول بمؤسساتها ومثقفيها بجد وفعالية على تهذيب وتعليم وتدريس مناهج مدرسية تحمل في ذراتها الصفات الأنسانية ، وتناقض وترفض صفة الجنون المتطرف والخديعة الألهية ووضعت قادتها المتطرفين في المعتقلات .
ليس الإعلام المُظلِّل وتسخيره هو الوحيد في التأثير على العقل وتغييبه ، وأنما القوى المذهبية التي تخاطب عقل الشباب في الحلقات الدينية المعقودة في المساجد. وتقوي من عزيمة أصحاب اللحى والعمائم والأعلام السوداء وحملة سلاح القتل والتفجير والدمار . و تصيبنا الصدمة كلما خرج علينا شخص ملوث المُعتقد لينصحنا بكلمات الله ويُصلّحُنا بدلالة قوله سبحانه تعالى وبإسمه ليحرق الأخرين من البشر وهم أحياء، ويدللها " بمشيئة الله" ويصطنع فتاوى تحذيرية من صنعه ممن لم يتبع هُداه وهواه .
خطيب مذهب سوري يشير الى المأسي ويصرخ لوقف المذابح ويتألم لها ،وخطيب جامع آخر يناقضه ويدعو المعارضة للجهاد والقتال في سبيل الله ، كونه يعيش ويأكل وينام كمرتزق في كيانات إسلامية سلفية وهابية وأخوانية تسودها مغبة الجهل . كيف يعيش الشعب في وطن يكذب فيه الصادق ويُصدّق فيه الكاذب. وطن الرحمة واللعنة وهروب الأسر والأبناء والبنات والشيوخ والأطفال من بيوتهم و قراهم لتعشعش فيه فصائل بشرية لها صفة الذئاب والجردان وتحمل في طياتها صفة واحدة لاغير " الدمار والقتل والتكبير بكلمات الله ".
الخراب والدمار العام ، هو ما تستطيع أن تصل إليه بتصفح شعاراتهم وأفعالهم المشينة في موقع ((أعماق )) و ترى الوجوه الشيطانية الكالحة وقذارة ماتحمله من صفات وشعائر ورسائل متلفزة ومانقلوه من بلدانهم الى أرض العراق والشام ، وهي في أغلبها شعائر سلفية مخلة بتعاليم القرأن والأيمان والأدب والأخلاق والنضوج المجتمعي . واليوم ، تنتشر وتقف شريحة كبيرة من مجتمعاتنا الاسلامية المؤمنة بعقيدة القرآن وقفة مناوئة لصب اللعنة على هذه الفئة السرطانية ، وكشف الفئة الرافضة التهذيب والتعليم والنضوج والرشد وتغيير الطباع وتدريس الصفات الأنسانية ، الفئة التي تتاجر بالوطن والمجتمع بأسم الخالق وتتاجر بالحقائق الجوهرية للأديان السمحة المحبة للعدل والسلام، وبكل صلافة تمتهن صفة القتل وفق عقيدة التكفير التي تعتنقها.
كانت الدكتاتورية الفردية هي السائدة عندما فقدت أسرتي 64 شخصاً في العراق منذ وصول البعث عام 1963، معظمهم من الأطباء والمهندسين والأساتذة والمتدينين والعلمانيين والشيوعيين . أما اليوم ، فأن الخوف يشمل طغاة الدين والعقيدة المتجبرين ، ومن يصف نفسه بالاسلام والخلافة والخوف من الله وهو يُسىء إلى سماحة الدين وإرتباط ديننا بالأديان الأخرى. وعندما تهمل الدولة تقويم الأعوجاج الأسلامي المتطرف وإنكاره لحرية العبادة عن الأخرين فأنها تستحق وصف التبجح والنفاق الأنتقائي وتسكت عن طغاة العقيدة . مَن مِن تلك الذئاب البشرية تحرصُ على شعائر الدين وتحترم رسالة القرآن والديانات الأخرى التي جاء الأسلام مكملاً وموضحاً لها ؟
آه من وطن معذب بهؤلاء الأرذال وقذارة صفاتهم ، وآه من أرض تدفن أبناءها بسببهم، وفي مقابر أهلنا ندعو لهم ونشفق عليهم بعد الرحيل .
نعم شعار " الله أكبر" والنصوص الألهية تشدُّنا الى بعضنا ولكنها تشّد البعض الى الجماعات والفصائل والفرق الأسلامية للخروج عن صفة الأسلام والأيمان الحقيقي بالله، ونافقت السلطات السياسية الحكومية ، السلطة الدينية وشرعيتها بصفة الأنتقائية والمجاملة والضعف بتبنيها للمذاهب المتطرفة، ولم تنتهج الرؤية الواضحة بأن للأسلام قرآن موحد واحد وان الصراع القائم مابين المنظومه الدينية والحريات الفرديه تقرها المواثيق والدساتير الحضارية المعترف بها، وليست فتاوى شخصيات دينية أو عشائرية أو قومية تمارس مهنة القتل والحرق والدمار والتخريب والتفجير والتهجير وإلحاق الضرر بممتلكات الناس والدولة ؟ والدليل هو ماتراه العين وتسمعه الأذن .
ضياء الحكيم
كاتب وباحث سياسي