: آخر تحديث

هل بدأت المواجهة بين الرئيس السبسي وحركة النهضة؟

241
254
233

 

في حوار مع مجلة "ليكونوميست" البريطانيّة المرموقة، قال الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بإن حركة النهضة الإسلامية "وضعت مصالحها فوق مصلحة البلاد"، مشيرا إلى أن حكومة "الترويكا" التي تزعمتها الحركة المذكورة بعد آنتخابات خريف 2011، أساءت إدارة شؤون الدولة، ولم تفعل غير العمل على إرضاء انصارها من خلال التعويضات المالية الضخمة التي قدمتها لهم، والتي ألحقت أضرارا جسيمة بالإقتصاد االوطني. كما أشار الرئيس التونسي الذي تتهمه نسبة عالية من ناخبيه بأنه "آرتمي في أحضان النهضة"، بأن الإسلاميين لا يختلفون كثيرا عن السلفيين، بل أنهم ساعدوهم خلال فترة حكم "الترويكا" على الصعود والإنتشار.

وتتزامن هذه التصريحات مع تصريحات أخرى أدلى بها الرئيس السبسي خلال الأسبوع الذي سبق حلول شهر رمضان، وفيها أعلن أن تونس باتت في حاجة الى حكومة تشارك فيها كل القوى الوطنية بما في ذلك آتحاد الشغل، والجبهة الشعبية المعروفة ب"لاءاتها"، وبرفضها الدائم لكلّ المقترحات التي تتقدم بها الأحزاب الأخرى.

ويرى الملاحظون أن هذه التصريحات تعكس قلقا كبيرا لدى الرئيس التونسي بخصوص الوضع الإقتصادي الكارثي الذي تتخبط فيه البلاد راهنا. كما أنها تنمّ عن بداية مواجهة بينه وبين حركة النهضة التي آختار منذ دخوله قصر فرطاج أن يتعامل معها بلين ولطف، باذلا كلّ ما في وسعه لكسب رضاها ورضى زعيمها راشد الغنوشي. لكن يبدو أن صبره نفد. لذا لم يعد يتردد في توجيه الإنتقادات لها. ولعله على حق في ذلك. فحركة النهضة أظهرت خلال مؤتمرها الأخير الذي أعدته بطريقة آستعراضية لا تختلف في أيّ شيء عن تلك التي تختص بها الأحزاب الشمولية، أنها لا تعير آهتماما كبيرا للأزمة الإقتصادية الخانقة التي تتخبط فيها البلاد راهنا. والأمر الذي يشغلها أكثر من غيره هو كسب المزيد من الأنصار، و"التمكن" بحسب عبارة زعيمها راشد الغنوشي. وجاءت الخطب التي ألقاها هذا الأخير، وأيضا الخطب الأخرى التي ألقيت خلال المؤتمر إنشائية وفضفاضة، وخالية من رؤية واضحة للأوضاع الكارثية التي تعيشها البلاد. وأما فصل الدعوي عن االسياسي الذي يردده الغنوشي منذ أشهر طويلة فقد آستقبله الكثير من التونسيين بسخرية ومرارة إذا ماذا يفيد هذا الكلام المعسول في زمن باتت فيه البلاد على وشك السقوط في الهاوية، وأضحت الأحلام والآمال التي جاءت بها "ثورة الكرامة والحرية" فتاتا ورمادا يعمي العيون والأبصار؟! ثم ان التونسيين يعلمون جيّدا أن حركة النهضة لم تكفّ منذ ظهورها المدويّ في المشهد االسياسي عن اللعب بعقولهم، والإستخفاف بذكائهم. فعلت هذا عندما وعدت بإعداد الدستور في ظرف عام واحد، غير أنها ظلت تماطل وتراوغ وتناور فلم تفرغ من ذلك إلا بعد مرورما يزيد ثلاثة اعوام! وخلال فترة حكم "الترويكا"، صرح الغنوشي بأن تونس ستكون" مثل سويسرا بل أفضل من سويسرا"، غير أن حركته أهملت الإقتصاد، وتغافلت عن القضايا المهمة لتنصرف الى العمل على تثبيت وجودها من خلال الهيمنة على أجهزة الدولة ومفاصلها، حيث تسلل، خلال ذلك السلفيون والمتطرفون للسيطرة على المساجد، وغسل أدمغة الشبان والشابات.

 وخلال فترة حكم "الترويكا"، شهد الإقتصاد تدهورا مخيفا بسبب التهريب وآرتفاع نسب الفساد الإداري والمالي. كما أن السياحة تلقت ضربات قاسية بسبب الإرهاب لتعيش أسوأ فتراتها منذ حصول تونس على آستقلالها وحتى هذه الساعة.

ورغم الهزيمة التي منيت بها في آنتخابات خريف 2014، لم تفقد النهضة نفوذها. ومستغلة النظام البرلماني الذي أقرّه الدستور الجديد، هي تسعى دائما وأبدا للآستعماله لصالحها بهدف الضغط على منافسيها وخصومها، والحد من سلطة رئيس الدولة. وهذا ما تفعله راهنا حيث أظهرت أنها لا ترغب في رحيل رئيس الحكومة السيد الحبيب الصيد. وهو ما يمكن آعتباره تحديا واضحا للرئيس السبسي الذي عير مؤخرا وبشكل واضح أنه يريد أن يرى وجها آخر في قصر الحكومة ب"القصبة". لذلك لم يفته أن يشير في الحوار الذي أجرته معه "ليكونوميست" أن البرلمان قد يتحول مستقبلا الى "جهاز ديكاتاتوري" يحدّ من صلاحياته، ويحوّل الرئيس الى دمية تتلاعب بها الأحزاب. ومن المؤكد ان السبسي الذي لا يخفي وفاءه للزعيم بورقيبة، وإعجابه به، قد آستشعر المخاطر الجسيمة التي تمثلها حركة النهضة خصوصا أنها لم تخف في مؤتمرها الأخير طموحها الكبير في السلطة لتضمن عندئذ تطبيق مشروعها الذي يتعارض تعارضا مطلقا مع المشورع الحداثي والإصلاحي الذي تميّزت به النخب السياسية والفكرية التونسية منذ النصف الثاني من القرن التسع عشر. ولكن يبدو أن مواجهة الرئيس السبسي للنهضة -إن هي حدثت-ستكون قاسية ومريرة. فالحزب الذي أسسه، أعني بذلك حزب "نداء تونس" يعاني من آنقسامات وآنشقاقات خطيرة. والإتحاد العام التونسي للشغل الذي يتمتع بقاعدة شعبية عريضة يسيطر عليه يساريون متطرفون يتلاعبون به كما يشتهون ويريدون. والجبهة الشعبية تظهر من خلال زعيمها حمة الهمامي أنها تملك الحقيقة كاملة، ولا تريد أن تتقاسم هذه النعمة مع أي قوّة سياسية اخرى. وحدها النهضة تبدو الى حد الآن متماسكة وملتفة حول زعيمها راشد الغنوشي. 

وفي وضع كارثي كهذا الوضع، سيكون الحد من نفوذها، ولجم طموحاتها أمرا صعبا بل يكاد يكون مستحيلا!

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي