: آخر تحديث

ترمب والتهديد بقطع الأموال

1
1
1

لا نحتاج إلى تدقيق وتمحيص كي نستنتج بما لا يحتمل الشك أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يمتلك الطريقة نفسها في التعامل مع كل من يعارضه في أي مسألة أو موقف، أو حتى تأويل ما يجري من أحداث.

فالغالب على نمط طريقة ترمب هو التهديد. بل إنه التهديد الصريح وليس المستبطن. والظاهر أن دوافع توخي مثل هذا النوع العلني الصارخ من التهديد هو الشعور بالقوة والهيمنة على العالم، وأنه لا يحتاج إلى لغة التلميح واعتماد خطاب يخفي أكثر مما يعلن. فخطابات ترمب لا شقوق ولا شِفرات فيها تستحق الفك. فهي خطابات واضحة، لا تحتمل حتى التأويل من فرط صراحة الرسالة وطابعها المباشر.إذن، التهديد أداة السيد ترمب في مواجهة الخصوم والمارقين، سواء كان ذلك داخل الولايات المتحدة نفسها أو في منطقة الشرق الأوسط، وفي مختلف بؤر التوتر في العالم. وهنا يمكن تأكيد العلاقة العمودية التي تصر الولايات المتحدة على توخيها مع دول العالم باستثناء من يتمتعون بعلاقة أفقية تخضع لاعتبارات ومصالح وارتباطات عضوية خاصة. وبناءً عليه، ومن منطلق كون الولايات المتحدة هي من تمثل القوة ودولة مرجعيّة في كل شيء تقريباً؛ فإنها كأنموذج يقتدى به تُسوّق للعالم وللدول الصاعدة نظرية كاملة في التعامل مع الدول الأضعف والأقل قوة ومكانة اقتصادية وعسكرية. لنأتِ الآن إلى مضمون التهديد نفسه. صحيح أن ساكن البيت الأبيض يُهدّد بأمور كثيرة، ولكن ما نلاحظه هو كثافة تواتر مضمون يتكرر في تهديداته. وخلال هذه السنة الحالية قد تم تكرار التهديد نفسه، حيث هدد ترمب أكثر من ثلاث مرات بقطع المال عن أطراف بعينها بسبب مواقف لا تناسب البيت الأبيض وتوجهات رئيسه.

طبعاً تاريخياً تقوم سياسة الولايات المتحدة على هذه السياسة، ولكن لم يحصل أن تم التهديد بقطع الدعم المالي بشكل صريح ومعلن كما يفعل ترمب. فعادة التهديد يكون مقنعاً ويتخذ أشكالاً أخرى، كالتأخير في إرسال الدعم أو التقليص، في حين أن الوضع حالياً مباشر في تهديداته بشكل يُحرج المدعوم مادياً بشكل مضاعف.

فقطع المال هو السلاح الذي يشهره الرئيس ترمب في وجوه المعارضين لهوى البيت الأبيض، وهنا نستعرض التهديدات الثلاثة الأهم التي حصلت خلال هذه السنة:

التهديد الأبرز يتعلق بقطع المساعدات عن مصر والأردن؛ وذلك ردّ فعلٍ إزاء الرفض العربي لخطة ترمب الرامية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، حيث عبَّر صراحة ساعتها بأنه يسعى من وراء الدعوة إلى توطين الفلسطينيين في مصر والأردن إلى «شراء غزة وامتلاكها من أجل بنائها»، موضحاً أن لا حق للفلسطينيين في العودة.

وأمام الصدمة العالمية التي أحدثتها هذه الدعوة، فإن الرفض كان جواب مصر والأردن؛ الأمر الذي دفع ترمب للتهديد بقطع المساعدات المالية لهما. وطبعاً جاء التهديد في وزن الرفض وموضوعه؛ إذ إن مصر تتلقى سنوياً من الولايات المتحدة ملياراً و500 مليون دولار وتبلغ المساعدات للأردن ملياراً و600 مليون دولار. وللعلم، فإن هذه المساعدات تندرج ضمن عنوان المساهمة في استقرار وتنمية كل من مصر والأردن. لذلك؛ فإن التهديد بقطع هذه المساعدات هو أقوى عقاب وجده ترمب لأنه يعرف أن قطع المال أمر موجع في ظل التحديات الاقتصادية القاسية للمنطقة.

كما أن هذه المباشراتية في التهديد بقطع المساعدات المالية، بغض النظر عن التطبيق من عدمه، من شأنها أن تخلع عن هذه المساعدات كل أهدافها الاجتماعية المعلنة، إضافة إلى أنها قد تفتح جبهات صراعية بين النخب الحاكمة ومكونات الحقل السياسي العام، إذ إن المنّة تمس بالمشاعر الوطنية.

المثال الثاني الذي يؤكد أن التهديد بقطع المال سياسة ثابتة في تعامل ترمب مع المعارضين لطلباته، ما حصل مع أكثر جامعات العالم سمعة علمية وقيمة مرموقة وهي جامعة هارفارد؛ إذ احتج ترمب على قبول الجامعة طلاباً أجانب بنسبة تبلغ الربع تقريباً، واتهم الجامعة بتشجيع معاداة السامية؛ وذلك على خلفية الاحتجاجات التي عرفتها الجامعة بشأن الحرب على غزة. ولمّا رفضت قيادة جامعة هارفارد نشر قوائم الطلبة الأجانب لتفحص خلفياتهم السياسية، فإن ترمب هدد بسحب مليارات الدولارات من تمويل الجامعة وتقديمها إلى مدارس مهنية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

آخر مثال حديث العهد عن التهديد بقطع المال، السلاح الذي يفضله ترمب في التعامل مع المعارضين لطلباته ولدعواته يتصل بالساعات الأخيرة قبل فوز المسلم زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك، حيث إن المؤشرات كانت تؤكد حصول الفوز، وفي محاولة للتأثير على الناخبين في نيويورك، فإن ترمب هدد بأنه ربما سيقطع تمويل نيويورك في حال فوز زهران ممداني.

إن سياسة التهديد الفجة بقطع المال والمساعدات بمثابة تكشير الرأسمالية المتوحشة عن أنيابها. ولعل الدرس من مثل هذه السياسة الفوقية العمودية والذي يهمنا جميعاً هو كيفية الخروج من حال المساعدات صغيرة كانت أم كبيرة، وذاك ليس عزيزاً على كل البلدان التي تتلقى المساعدات.

أما في خصوص استعمال هذه السياسة داخل الولايات المتحدة، فإن المعالجة تأتي من القضاء كما حصل مع جامعة هارفارد التي ربحت القضية. ويظل التهديد بقطع المال والمساعدات خطاباً ضعيفاً ومجرداً من الأخلاق.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد