: آخر تحديث

تنمية خضراء

1
1
1

في سياق التحولات التي يشهدها العالم اليوم، تمضي المملكة في مسار تنموي مدروس يعيد ترتيب علاقتها بمواردها الطبيعية على أسس واقعية ومسؤولة. فالمشاريع البيئية والمائية والزراعية التي تتوزع في مختلف المناطق لم تعد مبادرات قطاعية منفصلة، بل أصبحت جزءا من سياسة وطنية تستند إلى التخطيط طويل المدى، وإلى فهم أعمق لدور الاستدامة في حماية الاقتصاد وتعزيز جودة الحياة. إن ما يحدث في حاضرنا هو انتقال هادئ لكنه جوهري نحو نموذج تنموي أكثر توازنا، يربط بين إدارة الموارد وتنويع مصادر النمو، ويرسخ حضور المملكة كدولة تنظر إلى المستقبل بعين استراتيجية لا تغفل عن احتياجات المجتمع وتحديات البيئة.

على المستوى المحلي، تتجلى آثار هذه المشاريع في رفع جودة الحياة وتطوير البنية البيئية، إذ تواكب المملكة مسارا وطنيا يستند إلى تحديث شبكات المياه، وإعادة إحياء الأودية، وتنمية الغطاء النباتي. وتكشف الأرقام حجم هذا التحول؛ فقد بلغ إجمالي الطلب على المياه نحو 15.98 مليار متر مكعب مع نهاية عام 2020، بينما تستهدف المملكة بحلول 2035 خفض تكلفة إنتاج المياه بنسبة 50 ٪ وتقليص الاعتماد على المياه الجوفية غير المتجددة بنسبة 90 ٪، وهو ما يعكس جدية التوجه نحو الاستدامة المائية. كما أسهمت هذه المشاريع في إحياء المجتمعات الريفية وتعزيز استقرارها الاجتماعي عبر تحسين الخدمات وتوفير الفرص، وتمكين السكان من المشاركة في بناء بيئتهم المحلية.

اقتصاديا، تسهم المشاريع البيئية والزراعية في دعم التنويع الاقتصادي وتعزيز الأمن الغذائي، إذ ارتفعت قيمة القروض الزراعية المقدمة من صندوق التنمية الزراعية في عام 2022 إلى 5.32 مليارات ريال، ما مكن من إطلاق مشاريع نوعية في الزراعة الذكية والمزارع الحديثة، وهو مؤشر على تنامي قدرات القطاع الزراعي، وارتباطه بمنظومة الأمن الغذائي الوطني، وتوسعه باتجاه الصناعات التحويلية والسياحة البيئية.

وفي البعد النسائي، تقود المرأة السعودية تحولا لافتا داخل القطاعات البيئية والزراعية، مع اتساع مشاركتها الاقتصادية لتصل إلى 35.6 ٪ في الربع الثاني من 2022، مقارنة بـ 25.9 ٪ فقط في 2020. ويعزز هذا المسار وجود قاعدة سكانية شابة وفاعلة، ما يعكس طاقة كامنة قادرة على قيادة ريادة الأعمال البيئية والزراعية.

إن ما تشهده المملكة اليوم يتجاوز حدود التنمية التقليدية ليشكل مشروعاً وطنياً يربط بين البيئة والاقتصاد والمجتمع. إنه استثمار في الانسان أولاً، وفي الأرض ثانياً، وفي مستقبل تصنعه المملكة برؤية واضحة وثقة كاملة بقدرتها على بناء نموذج سعودي راسخ في الاستدامة، وقادر على إلهام المنطقة والعالم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد