ظاهرة قديمة تتجدد مع كل مناسبة مسرحية، تُسيء إلى الفن المسرحي قبل أن تُسيء إلى صاحبها، وهي أقرب إلى التسول والشحاذة التي يتمتع بها بعض من المسرحيين وبعض الفرق المسرحية، ففي كل مهرجان مسرحي خليجي أو عربي بات من المعتاد أن نرى الوجوه ذاتها تتنقّل من بلدٍ إلى آخر، لا يفوتون مهرجاناً ولا يدّخرون جهداً في التواصل مع إدارات المهرجانات، طالبين الدعوة شخصياً أو المشاركة بفرقة مسرحية، بل إن بعضهم يعرض الحضور على نفقته الخاصة ويدفع من جيبه مقابل تكريمه أو منحه جائزة رمزية، هؤلاء هم من يُطلق عليهم في الوسط المسرحي اليوم “المتسولون المسرحيون”، هذه الظاهرة وإن كانت تبدو في ظاهرها رغبة في التواصل والمشاركة، إلا أنها في حقيقتها تُفرغ المهرجانات من مضمونها الفني والثقافي، وتحوّلها إلى منصات شخصية لتلميع الأسماء أو الفرقة المسرحية بدلاً من أن تكون فضاءات لتبادل الخبرات وتطوير الحركة المسرحية، فحين يصبح التكريم سلعة تُشترى تتحول القيمة المعنوية إلى صفقة وتفقد الجائزة معناها ويضيع معيار الاستحقاق، إن خطورة “التسول المسرحي” لا تكمن فقط في سلوك الأفراد، بل في تساهل بعض إدارات المهرجانات التي تستجيب لهذه الطلبات طمعاً في الكسب المادي، بذلك يتحول المهرجان إلى واجهة شكلية تخدم العلاقات الشخصية أكثر مما تخدم المسرح الذي لا يحتاج إلى متسولين بل إلى مبدعين يحملون همّ النص والإنسان والمجتمع، الفنان الحقيقي يُكرَّم حين يُقدّم عملاً مؤثراً لا حين يطلب التكريم أو يدفع ثمنه، أما من يسعى وراء الدعوات والتقاط الصور فهو في الواقع لا يخدم سوى ذاته ولا يضيف شيئاً إلى المشهد المسرحي سوى الضجيج، ولاشك أن من أسباب هذه الظاهرة غياب المعايير الواضحة للمشارك، فبعض المهرجانات لا تملك نظاماً دقيقاً لتحديد المشاركين، مما يفتح الباب أمام غير المؤهلين للتسلل، أيضاً من الأسباب الرغبة في الظهور والشهرة، حيث يسعى البعض الى الوجود في أي فعالية مسرحية لالتقاط الصور أو الظهور في وسائل الإعلام، وسبب آخر هو ضعف الوعي الثقافي والفني، فهناك من ينظر إلى المهرجانات كمجال للترفيه والسفر لا كمناسبة ثقافية تتطلب مسؤولية ومشاركة حقيقية، فأحياناً يمنح المنظمون الدعوات بدافع المجاملة أو لتجنب الإحراج، مما يشجع على استمرار هذه الظاهرة.
ختاماً، على المهرجانات أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والثقافية في مواجهة هذه الظاهرة، عبر وضع معايير واضحة للضيوف والمكرّمين، والتمييز بين من يستحق الدعوة ومن يسعى إليها لأسباب شخصية، فكرامة المسرح لا تُصان إلا بالصدق والإبداع لا بالتسوّل والوجاهة الزائفة، إنّ ظاهرة التسول المسرحي ليست مجرد سلوك فردي عابر، بل هي مؤشر على خلل ثقافي وإداري يحتاج إلى معالجة جادة، باعتبار المسرح فنًّا راقيًا يقوم على الجهد والموهبة، لا يمكن أن يزدهر في بيئة تُكافئ المتطفلين وتتجاهل المبدعين، ولذا فإنّ القضاء على هذه الظاهرة يتطلب تعاونًا بين المنظمين والفنانين والمؤسسات الثقافية، ليظل المسرح منبرًا للفكر والإبداع لا مسرحًا للتسول والتطفل.

