: آخر تحديث

خطيب الجُمعة والقصيدة المطولة

0
0
0

علي الخزيم

انتابني مَلل وضجر وخطيب الجمعة بإحدى المحافظات يلقي قصيدة مطولة تتعلق بمادة الخطبة؛ ولا بأس بالاستشهاد من الأشعار المناسبة والحِكم الجيدة الرصينة؛ والأهم الاستدلال بآي من الذكر الحكيم والصحيح من السنة المطهرة، ورغم حرصي وترويض نفسي دومًا على التَّحلّي بالصبر والسكينة حين يتحدث متحدث أو محاور بأقوال مطولة متشعبة: إلَّا أن السأم قد تَمَلَّكني أثناء تلك القصيدة، وللحق أقول بأن الخطيب جيد الإلقاء بصوت معتدل ولغة عربية -إن كُنت أُحسِن التَّقييم- سليمة، فلم أجد ما آخذه عليه سوى القصيدة المطولة حتى وإن كانت ببعض أبياتها تشير إلى مقاصده الطيبة.

اجتهاد الخطيب -غفر الله له- كان من المستحسن أن يراعي حال المأمومين: فقد يصعب على البعض فهم وفِقه مفردات تَرِد بالقصيدة تكون عسيرة الإدراك بتلك العُجالة وحال الجلوس بالمسجد التي تختلف عن مجالس التسامر وتبادل الطرح الأدبي والقَصَصي بالمجالس العامة ومُنتَديات الأدباء؛ إذ قيل: (لكل مقام مقال)! فكان من الأنسب الاختصار؛ والاقتصار على المفيد الموجز حتى لا يسأم المأموم لا سيما إذا كان بينهم المهموم والمريض وذو الحاجة؛ مع تحري أسباب تحبيب وتشويق المصلين لفتح أذهانهم للخطبة.

كان أحدهم بعد بداية الخطبة بمسجد غير المذكور آنفًا يُخرج هاتفه الجوال ويفتح صفحات ويقرأ منها؛ ويبدو أن الخطيب وكذلك مَن بجانبه قد لاحظوا فعله؛ فقال الخطيب بصوت مسموع: دع عنك الهاتف الآن يرحمك الله؛ فرد عليه المأموم: سأتحدث معك بهذا بعد الصلاة إن شاء الله؛ واصل الخطيب خطبته وغلب على مَن بجوار صاحب الهاتف الفضول لمعرفة ما سيدور بالحديث مع الإمام! تبيَّن أن صاحب الهاتف من أبرز الباحثين الشرعيين ومِمَّن لهم باع طويل بالتأليف حول عجائب مدلولات ومعاني ومقاصد القرآن الكريم؛ وله آراء لافتة حول السنة المطهرة كما أن له أقوالًا مُعتبرة متعلقة بكثير من قضايا الشرع القويم.

يروى أن صاحب الهاتف شرح للخطيب ما انتابه من ملل جراء ترديد أقوال ومواعظ وصَفَها بأنها مِمَّا يتعلمه التلاميذ الصغار بالصفوف الابتدائية الأولى وباتت محفوظة؛ والناس -ولله الحمد- قد أدركوا أهميتها وأصبحت من لوازم تَعبّدهم اليومي فلا تستدعي الحالة المعاشة ترديدها بين خطبة وأخرى، وأضاف: بأن حال المجتمعات تستدعي الالتفات لمسائل وقضايا قد تكون أولى من غيرها بالنظر لأوضاع الناس المعاشة للتنبيه لكثير من القِيم ومكارم الأخلاق والتنزه عن خوارم المروءة وما يخل بالأمانة والشرف إلى غيرها مِمَّا يجدر تناوله وإيضاحه وتبيانه لجماعة الجمعة والمساجد وحتى بحلقات الذكر ومجالس العامة؛ وأردف قائلًا: حين تَمَلَّكني الملل أردت أن استثمر الوقت بما يفيدني وكأنني استمع لخطبة ذات فائدة أعلى مِمَّا أسمعه، كان هذا رأيه؛ فيما يرى الخطيب إلزامية الإصغاء للخطبة.

حدثني أحد الفضلاء مُعلقًا على خطبة جمعة كان ضمن المأمومين فيها بقوله:(تَرِد أثناء الخطبة روايات لم يثبت سندها أو لم يُجمِع العلماء على صحتها؛ وإن لم يُنبّه الخطيب إلى ذلك - بمنهج علمي شرعي- فقد تَرسَخ بأذهان بعض المصلين كحقائق ثابتة).


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد