عبدالعزيز الكندري
يعتبر التسامح من القيم الإنسانية العليا التي تُميز المجتمعات المتحضّرة عن بعضها البعض، فتجد المجتمعات الواعية تحافظ على إيجاد التسامح بين مختلف أطياف المجتمع، لأنه أساس التعايش السلمي بين الثقافات والجنسيات، وفي دول متعددة الجنسيات كدولة الكويت، يصبح التسامح ضرورة أخلاقية واجتماعية تعزز الاستقرار والتنمية.
لماذا يجب علينا أن نتحدث عن التسامح خصوصاً مع الوافدين؟
لأنهم قدّموا الكثير لهذا البلد الطيب المِعطاء وفي مختلف المجالات، ومساهماتهم كانت واضحة جلية ومحورية في مختلف مراحل تطور الدولة، وهذه بعض المجالات التي كانت لهم مساهمات فيها، ولعل من أبرزها المجال التعليمي ومنذ الخمسينات، ساهم مُعلّمون من مختلف الدول العربية مثل مصر، فلسطين، وسوريا، في إرساء وتأسيس مراسي التعليم النظامي بالكويت، كما شاركوا في تأليف المناهج، وتدريس أجيال كاملة من الكويتيين، ومعظم رجال الدولة يتذكرون دور هؤلاء الوافدين في تعليمهم.
كذلك المجال الصحي كان هناك الكثير ومازال من كوادر طبية من الهند، ومصر، وباكستان، ساهموا في إنشاء وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية المختلفة بسبب الحاجة الماسة وقلة المختصين في الكويت، بل كثير من الأطباء والممرضين كانوا العمود الفقري للخدمات الصحية في مراحل التأسيس وما بعدها.
وعملوا أيضاً في مختلف الوزارات وكانت لهم بصمات واضحة فيها ، مثل وزارة الأشغال العامة ، والكهرباء والماء ، والرعاية السكنية، وكانت بصماتهم واضحة خاصة في الطرق والمناطق القديمة من جودة في التنفيذ والأداء ، لدرجة أن منطقة داخلية واحدة بها ثلاث عشرة حديقة .
ولعب الوافدون أيضاً دوراً محورياً في تأسيس الصحف الكويتية والمساهمة في تطويرها وتدريب الكوادر الوطنية، خصوصاً في مراحل التأسيس والنهضة الإعلامية، حيث ساهم صحافيون وافدون من مصر، فلسطين، لبنان، وسوريا، في التأسيس.
الوافدون في الكويت أكثر من 100 جنسية تخدم في هذا البلد الطيب المِعطاء، وفي مختلف المهن التي نحن بحاجة لها، وعندما حصل شح في بعض المهن شاهدنا زيادة الأسعار بشكل غير معقول، والمتضرر من ذلك هو جيب المواطن، وهناك العديد من المشاريع الكبرى التي ستنفذها دولة الكويت وفق رؤية دولة الكويت 2035، وفي مختلف المجالات وهي بحاجة إلى الاستعانة بالوافدين بأضعاف الأعداد الموجودة حالياً، لذلك لابد من التعامل معهم بشكل راقٍ ومهني يبعد كل البعد عن العنصرية والنظرة الفوقية.
وهناك بعض الآراء تطالب بالتضييق على الوافدين بحجة توفير الوظائف، وماذا سيحدث نتيجة هذا التضييق؟ ستكون هناك اختلالات على مختلف المجالات مثل التعليم والصحة والأعمال الحرفية، ونحن بحاجة إلى معالجات وخطط بعيدة لعلاج مشكلة التركيبة السكانية، وليس استخدام أسلوب الصدمات أو التعامل بعنصرية، ماذا يحدث بسوق البناء لو قرر الوافدون ترك العمل بالكويت بسبب التضييق... وذهبوا لدول مجاورة وهم بحاجة لهم؟
ما زلنا بحاجة للوافدين، خصوصاً في المجال الطبي، فهناك العديد من المستشفيات الجديدة التي لم يتم تشغيلها وأحد الأسباب نقص الكوادر الطبية، خصوصاً بعد جائحة كورونا وما حدث في القطاع الطبي ما جعل الكثير من الدول تحافظ على المختصين في المجالات الطبية.
ودائماً أقول عندما ندير مؤسساتنا الخاصة نبحث عن أفضل الكفاءات من دون النظر إلى الجنسية، وإنما المعيار للكفاءة لأنها أموالنا الخاصة ونحرص على تنميتها، ومَنْ يلاحظ الشركات الكبيرة والعائلية والخاصة، يجد غالبية الموظفين الكبار هم من إخواننا الوافدين بسبب كفاءتهم بجانب شباب الكويت.
خلاصة الكلام
الوافد تركَ بلده وجاء إلى هذا البلد الطيب المعطاء من أجل لقمة العيش له ولأُسرته، وهو لديه أبناء وبنات وطموحات وآمال، فيجب أن نحسن إليهم ونعاملهم بكرامة إنسانية ونعيش معهم بتسامح، وما لا ترضاه لنفسك لا تقبله على غيرك.