: آخر تحديث

وجوه خَلف الألوان والأقنعة

1
1
1

علي الخزيم

حقيقة لا مفر من الإيمان بها وإدراكها وفهم أبعادها: تلكم هي ما يُطلَق عليه (الوجه الآخر) لكل إنسان على وجه الأرض؛ وبرأيي إن مِن الأقنعة والوجوه ما يمكن تَقَبّله بدرجة وحالات محددة إن تَجَرد من المخاتلة والزَّيف؛ فليست كل الوجوه كاذبة مُدلِّسة؛ فالمرء بين أهله وذويه يتبسَّط بطريقة حياته؛ لكن أمام رئيسه بالعمل أو بين زملاء المهنة والأصدقاء تختلف أساليب تعامله معهم وفقًا للمقامات والأحوال والظروف المتاحة؛ فلأصحاب المقامات قَدرهم؛ وأما دون ذلك فالاعتدال والتَّبسط دون تَبَذّل وإسفاف وإهدار للقِيَم الشخصية وإسقاط الهيبة؛ وما يعاب على بعض (الوجوه الأخرى) مناقضتها لما تتصنّع من سلوكيات مفتعلة.

من الناس من تكون له هذه الصفات من تَعدّد الوجوه كموروث جِيني لا يُمكِنه التخلي عنه؛ ويمارسه لتحقيق مآرب دنيوية على حساب مشاعر الآخرين؛ ومنهم من تدفعه مواقف طارئة لارتداء أقنعة مؤقتة تزول بزوال ظرفها؛ ومن الناس من يَثبت على مبادئه حتى لو خسر الموقف المراد؛ ومن تاريخ رجالات العرب أمثلة جميلة منها أن أكثر من ناصب الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- العداء من قريش حين أرادوا تنفيذ خُطّة اقتحام بيت الرسول المصطفى: ما إن عَلِم بوجود نساء داخل المنزل نهرهم قائلًا: مروءتنا وشيمنا تأبى علينا ذلك؛ وستكون -إن فعلنا- سُبّة عند العرب!

وعلى النَّقيض: قصة رواها مدير مدرسة قد تأثر بموقف حين دراسته الابتدائية أيقظ في نفسه ومشاعره معايير العدالة؛ يقول: في زمننا كان الطالب الذي يحضر للمدرسة صباحًا متأخرًا يوقفه (المراقب) بالمَمر كعقاب؛ (ويبدو لي أنه الآن يُسمّى المشرف الطلابي أو الاجتماعي بالمدرسة)، وذات يوم جاء متأخرًا مع تلميذ آخر فأوقفه المراقب (وهو مُتَّصف بالتّدين وواعظ) وصرف زميله لغرفة الدراسة؛ وبالعودة للمنزل قَص التلميذ حكايته لوالديه؛ فابتسم الوالد وطمأنه بقوله: إن السبب هو أن ذاك الموظف على معرفة بي؛ وهو غاضب مِنِّي لأني لَم أُلَبِّ طلبًا له غير منطقي منذ أيام! هنا يبرز الوجه الآخر السيئ لذاك المُؤتمن؛ فكان درسًا بليغًا لمدير المدرسة (لاحقًا) صاحب القصة.

ولمزيد من إيضاح الصورة: تجد إنسانًا يظهر على شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي يُنَظّر ويُقدم الدروس؛ ويزعم تحقيق إنجازات شخصية وهمية؛ ومواقف قيادية له أمام أسرته ومعارفه وكأنه يدير شؤون حياتهم؛ وأنهم بدونه ربما تاهوا وضاعت مصالحهم، وهو بوجهه الآخر نقيض جميع ما يقول، ومَن زاملوه أو درسوا معه يعرفون حقيقته؛ وأنه أفَّاق يُظهر للناس ما لا يُبِطِن بوجه آخر تشمئز منه الوجوه والعياذ بالله!

وبالمقابل: قد تجمعك الظروف بإنسان قد لا ترتاح له بأكثر أوضاعه وسلوكياته؛ ثم تكتشف يومًا أنه يُخفي وجهًا آخر جميلًا بطباع وسجايا قل أن تجدها بغيره؛ فالوجوه الأخرى للناس حين تتاح الفرصة لاكتشافها قد تذهلك بجمالها أو قبحها!

ولراحة البال وسلامة النيَّات وسلاسة الحياة: لا تحاول البحث عن أي وجه مُغاير لمن تصاحبهم أو تعمل معهم، لست ملزمًا بالتَّقصّي ومعرفة دقائق الأمور حتى وإن توجَّست من أحدهم؛ فيكفيك تعامله الظاهري الإيجابي معك، وتَذكَّر أن الوجوه عندك وعنده بمقدار.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد