: آخر تحديث

هجوم مانشستر... أسئلة عالقة

2
2
1

بينما ينشغل العالم بترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط، ومحاولة إيقاف الحرب في غزة، يفاجأ العالم ذاته بهجوم مسلح على كنيس يهودي بمدينة مانشستر البريطانية في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، ومعروف أن مدينة مانشستر تقطنها تجمعات كبيرة من اليهود، إضافة إلى أعراق مختلفة.

توقيت الهجوم يطرح أسئلة من دون إجابات، يأتي في مقدمتها: لماذا التوقيت الآن؟ ولماذا مانشستر تلك المدينة المهمة في إنجلترا؟ وما هي الرسالة الموجهة إلى إنجلترا وهي تعترف بعد مائة وثمانية أعوام بدولة فلسطين بعد أن كانت صكّت وعد بلفور عام 1917؟ وهل هناك رسالة من الهجوم على الكنيس اليهودي لترسيخ صورة معينة رافقت وجود اليهود في أوروبا على مدى ألفي عام؟ وهل يمكن لنا أن نفصل الهجوم عما يجري الآن في الشرق الأوسط؟ وهل هناك من يريد عرقلة الاعتراف المتنامي بدولة فلسطين عالمياً؟ وهل ثمة علاقة بين الخطط التي تسربت إلى وسائل الإعلام عن غزة في اليوم التالي لإيقاف الحرب الإسرائيلية؟ أم أنها رسالة إلى إنجلترا بأنَّ النار تحت الرماد، وقد عانت خلال عقود طويلة من أحداث إرهابية مماثلة؟ وهل ثمة علاقة بين احتضان بريطانيا للتنظيمات والجماعات العابرة للحدود، والتي تعمل ضد بلدانها الأصلية؟

أما السؤال الأخطر فهو: هل ستغير إنجلترا من سياستها تجاه استقبال اللاجئين من العالم؟ وهل هذا التفجير يقلب الموازين في ملف الهجرة والتجنيس؟ ومن المستفيد من دعم هذه العناصر والتنظيمات الوظيفية؟ ولماذا يبدو العالم في لحظة توحش؟ وهل ثمة رسالة من قطع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر زيارته إلى الدنمارك والعودة فوراً؟ وهل استشعر الخطر بأنَّ هذا الهجوم المسلح تكمن وراءه تفاصيل أشد خطورة من كل الأحداث الإرهابية التي وقعت على الأراضي الإنجليزية؟ وما الهدف من استمرار ترويع الآمنين في دور العبادة مهما كانت؟ وهل هناك ثمة تشابه بين تفجير المساجد والكنائس في أكثر من مكان في العالم؟ وإلى متى يستمر صدام الحضارات والثقافات التي صاغها المفكر السياسي الأميركي صمويل هنتنغتون؟ وهل لا تزال البشرية في قبضة الأجواء التي تصاعدت في القرون الوسطى أثناء الحملات التي اندفعت إلى الشرق تحت شعارات دينية؟

لماذا يبدو العالم عقيماً من المفكرين والفلاسفة الذين أسهموا في التنوير، وقدموا للبشرية نظريات كبرى حول تقنين حرية الإنسان، والاعتراف بالآخر، والتعايش السلمي؟ ولماذا يتم استبدال هؤلاء المفكرين والعباقرة برجعيين وسطحيين وأصوليين يرغبون في حروب لا تتوقف؟ ولماذا تبدو العقول التنويرية التي أضاءت طريق البشرية وكأنها كانت ضربة حظ لمرة واحدة؟

الشاهد أن المسرح الدولي يشهد صدامات على أسس عرقية وثقافية ودينية، وإذا أمعنا النظر في الحرب الروسية - الأوكرانية فسنجد أنَّ الصدام جرى، في أحد جوانبه، بسببٍ ثقافي بحت، حين قررت أوكرانيا منع اللغة الروسية من التداول والتعليم، وحين غضبت روسيا، وحين فصل البلدان بين الكنيستين الأوكرانية والروسية اللتين تتبعان المذهب الأرثوذكسي نفسه.

وبعيداً عن الصراع الروسي والغرب في مسائل مختلفة، فإنَّ الدين والثقافة يلعبان الدور الأبرز في تصاعد الشعور المتنافر بين شعبين ينتميان إلى العرق السلافي، وكأنهما الأخوة كارامازوف في رواية دوستويفسكي المعنونة بالاسم نفسه. وإذا شئنا الدقة، فإنه للأسف جرّ المتطرفون في الشرق الأوسط الصراع في فلسطين إلى مساحات دينية لقلب الحقائق، فالصراع في جوهره الحقيقي بين احتلال وشعب محتل.

ولذا فإن هجوم مانشستر إنما هو سلسلة من حالة متصاعدة يصنعها جالسون في ظلام المختبرات، ينتهزون فرصة السيولة العالمية غير المسبوقة، والتي تجعلنا على مشارف نظام دولي محتمل. إنَّ علامات الاستفهام التي طرحناها في هذا المقال تبحث عن إجابات، ربما تكون مفزعة ما دام هناك من يفكر كبندقية للإيجار، أو يمتهن الترويع كوظيفة. إنَّ العالم في حالته تلك في حاجة إلى عقول رشيدة لا تسمح للمغامرين بتنفيذ مخططاتهم المرعبة.

ولذا أعود وأطرح سؤالاً جوهرياً: كيف للبشرية احتضان نقيضين معاً: الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة، والعقل البدائي المربوط بخرافات ماضوية؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد