خالد بن حمد المالك
بدأت الانتخابات التشريعية في كلٍّ من العراق وسوريا، وهناك تأكيدات بأنها ستكون نزيهة، وملتزمة بالأصول، وبعيدة عن الفساد، والتلاعب، وأنها ستكون خيار الشعبين، وصوتهما في الرقابة على سلوك الحكومتين، ومتبنية القوانين ذات الصلة بتحسين الأوضاع في كلا البلدين.
* *
سوريا والعراق، مرَّا بعقود من الانتخابات والترشيحات التي كان يتدخل فيها كلٌّ من نظامي بغداد ودمشق، بحيث يفوز من ترغب به الحكومتان، وليس كما يريد الناخبون، بناءً على أصواتهم، والأوراق الانتخابية، ما جعلها بلا قيمة، ولا تأثير في الإصلاحات التي ظلت هاجس المواطنين دون أن تتحقق.
* *
هناك تخوف من أن هذه الانتخابات لن تكون نتائجها كما هي النيَّة أو الرغبة لدى مَن بيدهم السلطة في البلدين، فالتحديات كبيرة، وثقافة الفساد متأصلة، حتى مع الاستعانة بمراقبين دوليين للإشراف على سير الانتخابات، بل وحتى مع استخدام الرقمنة، لمنع التلاعب الذي كان يتم يدوياً، وباستخدام الأوراق.
* *
التحوط والاحتياط، ووضع كل الإمكانيات في خدمة إجراء انتخابات نزيهة موجودة وحاضرة، ولكن التشكيك لن يكون خارج الحديث عنها، ولن تكون النتائج مرضية ومقبولة من الجميع، فهناك حساسيات، وحسابات، وشكوك حول استخدام القيادات التقليدية وخاصة بالعراق مكانتها في توجيه الأصوات نحو استمرار نفوذهم.
* *
من المؤكد أن انتخابات العراق ستكون أفضل من الجولات السابقة، على الأقل لأن المنظمين استفادوا من الأخطاء والملاحظات، وتعلموا منها كي لا تتكرر، ولكن من الصعب ضمان عدم ظهور ثغرات أخرى، وعيوب جديدة في مسار العملية الانتخابية الجديدة، خاصة مع الكلام الكثير الذي يدور حول الرشاوى، وشراء الذمم، والتزوير الإلكتروني، وشراء الأصوات.
* *
في سوريا هذه هي الانتخابات التشريعية الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد، ولا تزال الدولة تعاني من الآثار المدمرة التي خلَّفها النظام السابق، ومن تآمر فلول نظام بشار الأسد، واعتداءات وتدخلات إسرائيل، وبالتالي فإن الانتخابات السورية جرت في أجواء ربما صاحبها تدخلات خارجية سعت لإفسادها وإفشالها، مع وجود رغبة لدى النظام الجديد في السيطرة على مفاتيح الفساد، ومنعه من التأثير على أصوات الناخبين، وتأكيد الرئيس الشرع بأن سوريا تتغير الآن من مرحلة الفوضى والحروب إلى مرحلة الانتخابات، وهذا ما يمكن قوله بعد أن تم إعلان النتائج.
* *
كثيرون ممن رشحوا أنفسهم، أو ممن لهم الحق بالتصويت، سواء بالعراق أو سوريا، أظهروا تخوفاً من ألا تتمتع الانتخابات بالقدر الكافي من النزاهة، ومن عدم اطمئنانهم على منع التلاعب بالأصوات، وحذَّروا من أن ذلك ربما جرَّ إلى مشاكل وخلافات في كل من البلدين، بما لا يخدمهما على المديين القريب والبعيد، قائلين إن هناك طرقاً ملتوية للخروقات.
* *
إن عقدة الـ99.9 % ما زالت تلاحق الانتخابات الرئاسية في الدول العربية، وتلقي بظلالها على الانتخابات التشريعية، ما جعل المواطنين لا يصدقون ما يُعلن عنها من نتائج، ويعيشون حالة خوف وحذر وهلع حتى قبل إعلان النتائج، لعدم ثقتهم بالعمليات الانتخابية، والترتيبات التي تُعد لها مسبقاً.
* *
غير أن الانتخابات الحالية تبدو أكثر مصداقية، وأقرب إلى الترجمة الحقيقة إلى حد ما، وفق الفرز الذي يتم، وإن كان لا يوجد ذلك الجزم الكامل الذي يملك الدليل للقول إنها انتخابات نزيهة، وإنه لا يشوبها أدنى شك، وإنه ليس لأحد الحق في الطعن بها دون دليل واضح ومقنع.
* *
نتمنى للشقيقتين العراق وسوريا أن تسفر انتخاباتهما عن وجوه جديدة، وأسماء لامعة، وكفاءات قادرة، فقد ملَّ المواطنون تكرار الأسماء، وإعادة الشخصيات التقليدية التي ليس لديها من جديد تضيفه للنهوض بالبلدين، من خلال معالجة مكان النقص، وحل الإشكالات التي أكل عليها الزمن، ولم تجد من يبتكر علاجاً لها، وتنتهي بذلك معاناة المواطنين من الفقر، وتواضع مكونات التعليم والصحة، والبطالة وغير ذلك كثير.