: آخر تحديث

من غزة إلى لبنان: الدولة تدرأ الفتنة والعدوان

2
2
2

في الذكرى الثانية لزلزال «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وافقت «حماس» على خطة وقف النار، فأصيب نتنياهو بصدمة لم يتوقعها، وأُحبطت أذرع إيران في اليمن والعراق، وبات المتبقي من ميليشيا «حزب الله»، الذي سبق «حماس» وبصم على وقف النار مع إسرائيل في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، أمام استحقاقِ مساندة «حماس» في موافقتها على خطة الرئيس ترمب، والترجمة الوحيدة تسليم السلاح اللاشرعي للجيش اللبناني.

ولئن كانت «حماس» في الانعطافة التي ميّزت موقفها قد تخلت عن قاموس من الأوهام والمكابرة، وتوقفت للمرة الأولى عند أولوية مستقبل الشعب الفلسطيني، بعدما تسببت في نكبة كبرى هي الأفظع في التاريخ الفلسطيني؛ فقد أعلنت أن خلفية قرارها هو وقف الحرب ووقف الإبادة... فإن «حزب الله» بات أمام تحدي مواجهة الحقيقة كما هي: الكف عن أخذ بيئته أولاً، وأبناء الجنوب واللبنانيين ثانياً، أكياس رملٍ للدفاع عن سلاح لا شرعي. وهو سلاح لم يحمِ حتى حامله، ولم يبنِ، بل استجلب الدمار، ودوره المحوري في كل الأزمان في الحرب بالوكالة على الشعبين السوري واليمني، وصولاً إلى العراق. أما في الداخل اللبناني، فكان سلاح فتنة بين اللبنانيين، سلاحاً حمى الفساد، وأقام شراكة مع الفاسدين الذين نهبوا الناس وأفقروا البلد. ودمر تحالف السلاح اللاشرعي والفساد ركائز الدولة كشرط شارط لنهوض مشروع الدويلة التي يتم عبرها فرض التطويع والارتهان!

في حمأة الأحداث الداخلية، وبعد «النصر» المبين في «غزوة الليزر» لصخرة الروشة، قال نواف سلام إنه بـ«القانون تُستعاد هيبة الدولة التي تدرأ الفتنة»، وأيضاً بـ«القانون تُقطع الطريق على العدو» الذي نعرف أهدافه، وما من أحد بحاجة إلى دليل؛ فقد اكتوى شعبنا من مخططاته الإجرامية. وللمرة الأولى تنبه المواطن العادي إلى أن في رئاسة الوزراء شخصاً متمسكاً بالدستور والقانون والأمن والمساواة بين اللبنانيين بعد عقود من تعطيل متعمد للدستور والاستنسابية في تطبيق القانون، بحيث تشرعن التساكن بين المنظومة السياسية والسلاح اللاشرعي، وتشكل تحالف «عصبة أشرار»، وارتُكبت الجرائم على المال العام والخاص وفق توصيف البنك الدولي، وغطى هذا التحالف انتهاك السيادة، وسوّغ التبعية لمحور الخراب.

وإذا كان مفهوماً أن يزعم «حزب الله» أن سلاحه «ضمانة» للسلم الأهلي ليبرر تصميمه في التمسك ببقاء هذا السلاح كي يستمر هذا السلم المزعوم، فإنه من غير المفهوم أن تنساق مواقع كبرى لمواقف تدعو لقبول هذا الوضع الذي فرضه السلاح اللاشرعي؛ ذلك أن الدولة في أولى مهامها حماية المواطنين، وليست أبداً في قواها الشرعية قوة فصلٍ بين السلاح اللاشرعي والمواطن، على ما دللت عليه «غزوة الليزر»، الأمر الذي جعل رئيس الحكومة يقرع جرس الإنذار، مشدداً على أنه «لا دولة واحدة إلّا بجيش واحد... ولا دولة واحدة إلّا بقانون واحد يطبق بالتساوي على الجميع»، وفوق ذلك لا يمكن درء الفتنة إلّا بتطبيق القانون. واستطراداً، فإن الدولة التي تضمن العدالة لشعبها وحدها مؤهلة لدرء العدوان والأخطار المتأتية عنه.

لقد دخل لبنان مرحلة جديدة مغايرة عما تم فرضه على اللبنانيين زمن الحرب وفي العقود التي تلته، وقيل إنها زمن «السلم الأهلي» المزعوم، فكانت زمن البدع والفتاوى والتسلط والنهب والاستئثار وتهجير اللبنانيين، ولا سيما الشباب والكفاءات قسراً. فأرقام الهجرة الأخيرة منذ الانهيار الكبير في عام 2019 لامست رقم الـ500 ألف لبناني. ولأن هذا الزمن بعد زلزال «طوفان الأقصى» وزلزال حرب «المساندة» في لبنان غير ما سبقه، ينبغي أن تسقط كل المحرمات، فإعادة بناء الدولة القادرة والعادلة تفترض نقاشاً مسؤولاً يذهب بعيداً، ويطال كل شيء، ويحدد المسؤوليات. ينبغي التوقف عند كل سياسات وممارسات ما بعد «الطائف»، وما أملته من حصانات للمتسلطين في ظلِّ «قانون الإفلات من العقاب»، الذي يتيح لأكبر مسؤول في السلطة التشريعية أن يتفاخر بالإعلان: «الضعيف وحده يذهب إلى القضاء».

كيف حدثت المنهبة وبين طرفة عين وإغماضتها تم إفقار البلد وإذلال الناس؟ وإلى متى تبقى العدالة للعاصمة وأهلها معلقة في جريمة التفجير الهيولي لمرفأ بيروت؟ وبأي قدرة تم تحويل البلد إلى حقل تبادل رسائل بالنار طحنت عمرانه وسفكت دماء أبنائه؟ وبأي حق يتم أخذ البلد المكسور والمنهوب إلى حربٍ أنزلت به خسائر مريعة؟ هل يمكن تعويض ألوف الأرواح؟ ومن المسؤول عن اقتلاع عشرات ألوف الأسر، وعن مسح بلدات من الخريطة بتاريخها وتراثها المشغولين بالعرق والدم وشقاء الأجيال؟ فقط العدو الإسرائيلي الغاشم، ولماذا تم تسهيل مهمته؟

آن أوان طي زمن التعمية والهروب إلى الأمام. انتهى زمن التخوين، و«أشرف الناس»، والتشاوف والاستعلاء، و«وعدتكم بالنصر»... انتهى هذا الزمن بعدما جعلوا البلد أوهى من بيت العنكبوت.

بعد غزة، لبنان في عين العاصفة كما لم يكن في أي وقت منذ اتفاق وقف النار، والمؤشرات كثيرة؛ فمصالح مجرم الحرب نتنياهو تحمل مخاطر توسيع الحرب شمالاً. لكل ذلك لا يملك أي كان ترف الوقت؛ فالأخطار تفترض مغادرة الصمت والكسل والنزول عن مقاعد المتفرجين وإعمال الفكر بما يفيد، والمبادرة من جانب التغييريين، وقوة السيادة الحقيقية لفرض حصرية السلاح والعدالة، فيدرأ لبنان أخطار الفتنة والعدوان.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد