: آخر تحديث

يوزّعون المُساعدات أم يوزّعون الفتنة؟

2
3
3

تحقيق مُثير بُث على مِحطة «بي بي سي» البريطانية ونشر على موقعها الإلكتروني بتاريخ 10-9-2025 أثار ضجة كبيرة في أوساط الصحف العالمية.. من يوزّع المساعدات الإنسانية في غزة؟ كشف التحقيق أن الشركة التي تتولى توزيع المساعدات في غزة تستخدم لإدارة أمنها أعضاء نادي دراجات نارية أمريكية لها تاريخ من العداء للإسلام.
أكد التحقيق أن أعضاء من نادي الدراجات النارية المسمى (MC Infidels) وتعني (الكفار) تعاقدوا مع شركة (ْUGS) وهي شركة أمريكية توفر خدمات الأمن في مواقع (مؤسسة غزة الإنسانية)، حيث قتل 1135 طفلاً وامرأة من الجياع بالقرب من مواقع صندوق الإغاثة الإنسانية أثناء بحثهم عن الطعام (وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية للطعام) في مشاهد للفوضى وإطلاق عشوائي للنار. وكشف التحقيق عن سبعة أعضاء من ذلك النادي يشغلون مَناصب عليا في الإشراف على مواقع عملية المساعدات المُثيرة للجدل. اعترفت الشركة الموكلة بتوزيع المُساعدات أنهم أطلقوا النار، ولكن في الهواء بهدف تنظيم التوزيع، ولكن هل يصل رقم ضحايا الصدفة إلى ما فوق الألف؟ القضية بدت واضحة وأكثر وضوحاً عندما رفض كل أعضاء النادي المشاركين في التوزيع الإدلاء بأي تعليق للإعلام.
وبالبحث عن نادي الدراجات النارية (الكفار) تبيّن أنه أُسس عام 2006 على يد قدامى المحاربين في الجيش الأمريكي. ويُعلن الأعضاء أنهم يُسمون أنفسهم صليبيون معاصرون، ويستخدمون الصليب الذي استخدم في الحروب الصليبية كرمز لهم، في إشارة إلى الحروب في العصور الوسطى من أجل السيطرة على القدس. نادي الدراجات النارية هذا يُعلن على صفحته على فيسبوك عداءً متطرفاً لكل ما هو إسلامي.. ويعتمدون خطاب كراهية معادي بشكل عنيف. طبعاً هذا النادي لا يمثل المسيحيين الشرفاء الذين كانوا أول المُعترضين على إرسالهم إلى غزة. ولكن لماذا تم اختيار هذا النادي المعروف بكراهيته وتطرّفه للإشراف على الأمن وتوزيع المساعدات؟
حتى الآن لا جواب على هذا السؤال من الشركة التي أغرت أعضاء النادي بتقديم مبالغ كبيرة وصلت إلى 980 دولاراً يومياً وتم تجنيد الكثير منهم رغم أنهم يعتمدون على صدورهم وأذرعهم وَشْمَاً يحمل الرقم 1095 وهو تاريخ بدء الحروب الصليبية.
بعد هذا التقرير عاد السؤال الأكثر تداولاً اليوم هل نحن أمام فوضى التطرف واستفزاز المشاعر العقائدية؟ فمنذ اندلاع الحرب على غزة وبمتابعة تصريحات المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية الحالية المتدينة، ظهر جلياً التوجّه نحو إعادة إحياء التطرف الديني والنعرات الطائفية البغيضة التي يرفضها عامة الناس وهم أكثر المُتضررين من هذا الجو المؤذي. إن انتشار التطرف الديني وتغذيته في منطقة شديدة التنوع العقائدي مثل الشرق الأوسط قد يخلق سلسلة من التحديات المُتشابكة، لأنه يضرب في قلب التوازن القائم بين الطوائف والمذاهب.
إذا نجح التطرف في كسر نسيج المجتمع يصبح الحفاظ على الدولة الواحدة صعباً. في أسوأ السيناريوهات قد ينتهي الأمر إلى دويلات طائفية أو مناطق مُنفصلة. لا شك أن المُتضرر الأول إلى جانب التهجير للأقليات هو الاقتصاد. عندما يضعف التماسك في المجتمع يضعف الشعور بالأمان ينكمش الاستثمار وتخف السياحة وتُستنزف المَوارد في الصِرعات الداخلية. لكن لو بحثنا عن المُستفيد من هذا الوباء.. نجدهم الخلايا المتطرفة التي تجد في الفوضى والتحدي والاستفزاز فرصة لزيادة التجنيد والتمويل والسيطرة. كلما زاد الاحتقان الديني وجدت بيئة خصبة لتبرير خطاب التطرف وإقناع الناس بأنها الخلاص الوحيد لهم. والمُستفيد أيضاً هم بعض القوى العالمية التي تبحث عن فرص للتدخل العسكري والسياسي والاقتصادي. وتستفيد أيضاً شركات الأسلحة التي تعقد الصفقات المربحة.
أما إسرائيل فهي أكثر المستفيدين من انتشار فوضى الجماعات المُتطرفة حيث تجد ما يُبرر حروبها لتحقيق التعاطف معها بمقولتها الشهيرة «نحنا مُحاطون بتهديد وجودي، لذلك من حقنا استخدام القوة المُفرطة». هذا الخطاب يساعد في تبرير القصف والحصار والاغتيالات أمام المجتمع الدولي. ومع صعود ودعم الجماعات المُتطرفة تستفيد إسرائيل أيضاً في دمج كل فعل مقاوم وطني ولو كان سياسياً أو ثقافياً ضمن خانة «الإرهاب الديني». لربط القضية الفلسطينية ب«تطرف ديني» بدل من ربطها «بحق تقرير المصير». كلما زاد التطرف في المنطقة زاد التعاطف الغربي معها. وهذا يُعزز علاقتها مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة لتمدها بالمزيد من السلاح والدعم المالي والسياسي. وكلما كان التطرف الطائفي منتشراً ينشغل العالم العربي عنها بصراعاته الداخلية..
إذن لا نحتاج الكثير لنفهم لماذا اختاروا هذا النادي المُتطرف الذي يُجاهر بعدائه للإسلام ليكون الحارس على أمن وتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة.. علماً أن المسلم والمسيحي يعيشان فيها بسلام منذ قرون، طبعاً الهدف هو خلق شرخ بين هذا التآلف الذي يُقلقهم. كما لا يمكننا أن نغفل ما حدث في الساحل السوري وفي السويداء.. كلها مؤشرات تدل على أننا أمام تحدٍّ كبير، الخاسر الأكبر فيه هو المواطن المُسالم المُهدد بفوضى قد تقلب الجغرافيا وتغير الحدود، وتعيد خلق خريطة مذهبية مُتناحرة يكون فيها أسير تدخل قوى كبرى أعدت جيداً لهذا التدخل بتغييب الحكمة وإيقاظ الفتنة.. والفتنة كما قال تعالى.. «أشد من القتل».
* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد