: آخر تحديث

الداكوتا.. وفاء الحفيد للجد

2
0
2

منيف الحربي

مع كل ذكرى لليوم الوطني السعودي تتجدّد في ذاكرة الطيران صورة «الداكوتا» التي غادرت السماء واستقرت على الأرض، الطائرة الصغيرة التي أضحت إرثاً كبيراً يُلخّص بدايات وطنٍ نهض من يباس الصحارى إلى حدود الغيم.

تقف «طائرة الداكوتا» في وجدان السعوديين شاهدةً على الانطلاقة الأولى نحو فضاء المستقبل، حيث بدأت حكاية الطيران من طائرة واحدة تحوّلت إلى شبكة جوية لا تعرف الحدود.

أجمل ما كُتب ووُثّق عن الطائرة التاريخية هو المؤلَف الذي أصدره الأمير سلطان بن سلمان مع مايكل سابا (طائرة من التاريخ: الملك عبدالعزيز وقائد طائرته)، عن مؤسسة التراث.

الكتاب يقع في 168 صفحة من القطع الكبير، وهو لا يوثّق رحلة الطائرة فقط، بل مرحلة بكاملها عبر تفاصيل دقيقة عن اهتمام المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز بالطيران، وعن قائد الطائرة الأمريكي جو جرانت الذي تنتظم فصول الكتاب حوله منذ قيادته لطائرة الـ DC-3 في عام 1945م حتى وفاته عام 2010م.

في كل صفحة من صفحات الكتاب، تمتد صور نادرة ومعلومات موثقة، وتتجسّد قصة وفاء عظيمة.

في التمهيد نجد وثائق تروي بدايات الطيران في المملكة من المدارج البسيطة وسط الصحراء إلى ملامح النهضة الأولى، وبناء المطارات التي أضحت بوابات لعالم جديد، التقط الكابتن جو بعدسته الكثير من الصور الجميلة لحركة المسافرين على المهابط الترابية، وللطائرة بين الرمال، وتحوّلت صوره مع الزمن لأنجم تضيء ذاكرة الوطن.

يتطرّق الكتاب لمرحلة تجديد الطائرة بعد أن أُهملت سنوات طويلة، حيث بلغت ساعات طيرانها 32 ألف ساعة، وبقيت عشر سنوات على الأرض دون عناية، وفي عام 1987 تقرر تحويلها إلى صالة العرض، فخضعت لأعمال ترميم، ثم تم تخزينها في قاعدة القوات الجوية بالرياض.

بعد ذلك، وبمناسبة مرور مئة عام على تأسيس المملكة، عادت الطائرة لمرحلة ترميم ثالثة، شملت تفكيكها ونقلها وتشغيل محركاتها قبل أن تعود للتحليق، وقد عهدت أعمال التجديد إلى سلاح الطيران الملكي، ونُفذ المشروع على أرض الوطن حتى استقرت الطائرة أخيراً ضمن مقتنيات متحف صقر الجزيرة للطيران بالرياض.

في نهاية الكتاب، مشهد مؤثر حين عاد الكابتن جو مع عائلته إلى السعودية عام 2009م بدعوة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله)، حيث التقى الملك وعدداً من الأمراء والشخصيات، وتلقى تكريماً من الخطوط السعودية ونادي الطيران، قبل أن يعود إلى بلاده ليتوفى بعد عام واحد عن عمر يناهز 98 عاماً.

إن هذا الكتاب بما يحمله من معاني الوفاء، ليس مجرد وثيقة عن طائرة بل شهادة على روح المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وتجسيد للمشاعر العميقة التي تسكن قلوب السعوديين تجاهه، وما كتبه الحفيد عن جده لم يكن تعبيراً شخصياً، بل ترجمة لوجدان شعب بأكمله يرى في الملك عبدالعزيز رمز وحدته.

في اليوم الوطني الخامس والتسعين، نقرأ قصة الطيران السعودي التي تتماهى مع قصة الوطن كله، عزٌ يولد من الصحراء ليحلّق فوق السحاب.. يعود كل عام ليبني خيمة في القلوب وطائرة تأخذنا لرحلةٍ مليئةٍ بمشاعر العرفان والولاء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد