في اليوم الوطني الـ95، نحتفل بهويتنا السعودية الأصيلة، بطباعنا التي توارثناها جيلًا بعد جيل، وبموروثنا الثقافي الذي يوازن بين الأصالة والحداثة. شعار اليوم الوطني «عزنا بطبعنا» يعكس فخرنا العميق بقيمنا وتقاليدنا التي نعتز بها ونعيشها في تفاصيل حياتنا اليومية.
منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- قامت على أسس راسخة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لتشكل منطلقًا لثقافة وطنية متجذرة في القيم الدينية والعدالة والكرامة. وتستمر هذه المسيرة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حيث تتحقق رؤية 2030 كمشروع حضاري يجمع بين الأصالة والطموح. هذه الرؤية ليست مجرد خطة تنموية، بل مصدر إلهام يستمد قوته من قيمنا الراسخة، وقد حولت الثقافة إلى رافد اقتصادي حيوي؛ ففي عام 2025 بلغ نمو الناتج المحلي غير النفطي 3.4 %، مدعومًا بمشاريع ثقافية مثل المتاحف والتراث، تأكيدًا على أن عزنا بالفعل في طباعنا.
موروثنا الثقافي ليس مجرد تاريخ محفوظ في الكتب أو الصور، بل هو حياة نابضة نعيشها كل يوم. فمن الأزياء التقليدية التي تحمل ملامح الأصالة، إلى الشعر النبطي الذي يبوح بمشاعر الناس ويُتداول على رائحة القهوة السعودية، ومن العمارة الطينية في الدرعية التي تجسّد روح المكان، إلى المأكولات الشعبية مثل الكبسة التي تختزن نكهات التاريخ؛ نجد أن هذا التراث يصوغ روابط إنسانية متينة بين الأجيال. إنه موروث يعكس قيمنا وهويتنا، ويعيد تشكيل وعي الأجيال بخصوصيتنا التي تميزنا بين الشعوب. فهو لا يُورث فقط، بل يُمارس ويُعاش، ويجسد أصالة طباعنا التي نفتخر بها. وفي اليوم الوطني، تتجلى هذه المعاني بصدق في شعارنا: «عزنا بطبعنا»، الذي يلخص رحلة وطن عريق استطاع أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويجعل من تراثه مصدر فخر وإلهام لمستقبل أكثر إشراقًا.
تتميز المملكة العربية السعودية بتنوع ثقافي يعكس ثراء تراثها ويعزز وحدتها الوطنية تحت شعار «عزنا بطبعنا». في نجد، تحكي العمارة الطينية والشعر النبطي قصة الصمود والكرم، بينما ينبض تاريخ الحجاز في أسواق جدة وروحها التجارية والثقافية. في الجنوب، تتألق الألوان في القط العسيري وتبرز الفلكلور المحلي، والشرقية تحتفظ بالتراث البحري وفنون الغوص على اللؤلؤ، فيما تحكي تبوك قصص البطولات التاريخية، وتزهو جازان بفلكلورها الأصيل، وتظل حائل حاضنة للشعر والفعاليات الشعبية. هذا التنوع ليس اختلافًا، بل فسيفساء وطنية متجانسة تعكس قيم الكرم والوفاء، وتجعل من موروثنا الثقافي ركيزة لوحدتنا وهويتنا.
ولا يقتصر حضور هذا الموروث على الجانب الرمزي فحسب، بل يمتد أثره إلى الاقتصاد الوطني عبر قطاع السياحة الثقافية، الذي استقطب أكثر من 115 مليون زائر في عام 2024 بإيرادات تجاوزت 283 مليار ريال، مع مستهدف الوصول إلى 150 مليون زائر بحلول 2030. كما بلغت مساهمة القطاع الثقافي في الناتج المحلي الإجمالي 0.91 % في 2023، ويُنتظر أن ترتفع إلى 3 % بحلول 2030.
إن هذا التكامل بين التنوع الثقافي والبعد الاقتصادي يجسد طموحات رؤية المملكة، ويعزز فخرنا في اليوم الوطني، حيث تتحول المملكة إلى لوحة ثقافية نابضة بالحياة، تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتؤكد أن عزنا دائمًا في طبعنا.
في أحضان الصحراء العربية، حيث يلتقي التاريخ بالحاضر، ينبثق الموروث البدوي الذي يشكل جوهر هويتنا السعودية. حياة تقوم على الصمود والشجاعة والكرم والصبر، والارتباط بالأرض يشكل حضارة نابضة بالقيم المتوارثة عبر الأجيال، تجسد طباعنا الأصيلة. تُعد الإبل ركيزة اقتصادية حيوية في رؤية 2030، حيث يبلغ عددها أكثر من 2.2 مليون رأس في المملكة، مما يعزز الأمن الغذائي والتنمية المستدامة. وفي مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل 2024 (النسخة التاسعة)، شاركت نحو 38 ألف إبل في 233 شوط سباق، مع جوائز تصل إلى 300 مليون ريال، مما يحفز التجارة والاستثمار في السلالات والمنتجات مثل حليب الإبل، ويسهم في زيادة النشاط الاقتصادي الإقليمي بنسبة ملحوظة عبر أسواق الخليج. هذا الاهتمام يعكس تحول الإبل من رمز ثقافي إلى قطاع اقتصادي يدعم التنويع غير النفطي، مع فعاليات مثل «شداد الملك عبدالعزيز» التي أعادت إحياء التراث بتقنيات رقمية حديثة.
مكة المكرمة والمدينة المنورة، قبلة المسلمين وقلب المملكة النابض، منهما انطلقت رسالة الإسلام، وإليهما يلتفت المسلمون بقلوبهم. احتضان المملكة للحرمين الشريفين ورعايتهما لضيوف الرحمن يعكس التزامها الديني العميق، ويمنحها قوة ناعمة لا تُنافس من خلال إدارة الحج التي تعكس القدرات التنظيمية والدبلوماسية. كما يفتح البعد الثقافي لهما بوابة للتبادل الثقافي مع شعوب العالم ويعزز التسامح والسلام بين المسلمين. هذا البعد الديني هو جذر هويتنا، ويتكامل مع الموروث الثقافي، مجسدًا شعار اليوم الوطني «عزنا بطبعنا» في حياتنا اليومية، ومعززًا مكانة المملكة عالميًا كقبلة روحية وثقافية.
رؤية السعودية 2030 حولت الثقافة إلى قطاع استراتيجي، بإنشاء 11 هيئة ثقافية متخصصة تشمل التراث والمتاحف والأزياء وفنون الطهي وغيرها. وقد سجلت المملكة 8 مواقع تراثية عالمية عبر اليونسكو حتى 2024، إضافة إلى 16 عنصرًا من التراث غير المادي مثل القهوة السعودية والصقارة. هذه الجهود تحافظ على هويتنا للأجيال القادمة وتفتح مجالات استثمار جديدة في الثقافة والسياحة. كما تجسد مشاريع كبرى مثل نيوم والقدية التوازن بين الأصالة والحداثة. نيوم ليست مجرد مشروع اقتصادي ضخم، بل مدينة تستلهم تراث الصحراء في بناء مستقبل بيئي وتقني متطور. القدية، بوجهتها الترفيهية والثقافية، تستمد تصميماتها من العمارة التقليدية، لتعزز الهوية الوطنية وتقدم نموذجًا لمزج التراث بالابتكار.
يُشكّل الشباب عماد التجدد والطاقة الإبداعية في المملكة، فهم الشريحة الأكبر من السكان (الفئة 15 - 34 تشكّل نحو 36.7 % من السكان، أي ما يقارب 12.5 مليون نسمة حسب تقديرات تعداد منتصف 2022- 2023)، ويحملون رؤىً ومبادرات تُجسّد تلاقح الأصالة مع الحداثة. عبر برامج التدريب والتأهيل والمنصات الرقمية، يقودون تجديد الموروث وتكوينه بصياغات عصرية في الفنون والأنشطة الثقافية والابتكارات التقنية. المرأة والشباب معًا يشكلان قوة وطنية ملهمة. يشارك الشباب في المبادرات التراثية والابتكار، بينما تعزز المرأة الحضور الثقافي والقطاع الخاص، مساهمين معًا في الرياضة والأبحاث العلمية، لضمان استدامة هويتنا الوطنية. هذا التكاتف يعزز شعارنا الوطني «عزنا بطبعنا»، مستقبلٌ يُبنى على أصالة مترجمة إلى إنجازات ومعطيات واقعية.
استضافة المملكة لمعرض إكسبو 2030 في الرياض تجسد طباعنا السعودية في الضيافة والابتكار، وتفتح نافذة للعالم للتعرف على ثقافتنا الغنية وتاريخنا العريق. سيُعرض الابتكار التقني، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والروبوتات، ضمن فعاليات تجمع بين التعليم والثقافة والفنون، مع التركيز على التنمية المستدامة وحلول البيئة والطاقة النظيفة. كما يمثل المعرض منصة لتعزيز التعاون الدولي وحوار الحضارات، ويبرهن في اليوم الوطني الـ 95 كيف يمكن الجمع بين الأصالة والحداثة، مع إبراز روح المملكة المعاصرة المتجددة بطبعها الأصيل، متجاوزة الحدود لتقديم نموذج عالمي للتنمية والابتكار.
تعمل هيئة التراث على توثيق الموروث المادي وغير المادي، مثل الدرعية، القهوة السعودية، والصقارة، لتسجيلها عالميًا عبر اليونسكو، حيث بلغ عدد المواقع التراثية 8 حتى 2024، وعناصر غير مادية 16، مما يحمي التراث من الاندثار ويجذب استثمارات ثقافية. هذه الجهود تهدف إلى حفظ هويتنا الوطنية للأجيال القادمة، وتعزز فخرنا الوطني في اليوم الوطني، مؤكدة أن موروثنا الثقافي ليس مجرد تاريخ، بل حياة متجددة تعكس قيمنا الأصيلة.
في اليوم الوطني الـ95، نحتفل بعزتنا وطباعنا من خلال المهرجانات الشعبية والفعاليات التراثية التي تعكس أصالتنا وتاريخنا. هويتنا ليست مجرد ذكرى، بل حياة متجددة تبني المستقبل على أساس التوازن بين الأصالة والانفتاح، وتؤكد أن «عزنا بطبعنا» سيبقى شعارًا حيًا وواقعًا معيشًا.