: آخر تحديث

«وعد».. حين يصبح الاستثمار في الإنسان مشروع وطن ومستقبل

2
1
0

كوثر الأربش

من بين ركام التحديات التي يفرضها عالم سريع التغير، تبرز مبادرات تتجاوز كونها مشاريع مؤقتة لتتحول إلى قصص وطنية ملهمة، ترسم ملامح الغد وتستثمر في أعظم ثرواته: الإنسان.

هكذا وُلدت الحملة الوطنية للتدريب «وعد» التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، فكرةً تجسدت في رؤية، ورؤيةً تحولت إلى فعل، حتى غدت علامة فارقة في مسيرة تمكين الشباب السعودي، ورافعة حقيقية لرؤية المملكة 2030.

في وطن يؤمن بأن شبابه هم قادة المستقبل، جاءت «وعد» لتبني الجسور بين الطموح والتمكين، وبين المهارات ومتطلبات سوق العمل. لم تكن مجرد دورات تدريبية، بل مشروعًا وطنيًا متكاملًا يقوم على الشراكة، والإبداع، والاستثمار المستدام في رأس المال البشري .

وقد تُوجت هذه الجهود بإنجاز وطني على الساحة الدولية، حيث نالت حملة «وعد» جائزة الشارقة للاتصال الحكومي 2025 عن فئة «أفضل الحملات للتأثير الإيجابي في وعي وممارسات الشباب»، خلال الحفل الختامي للمنتدى الدولي الرابع عشر للاتصال الحكومي. ويعكس هذا التكريم الأثر العميق للحملة في تعزيز وعي الشباب وتنمية قدراتهم، كما يؤكد حضورها كإحدى أبرز المبادرات الوطنية التي استطاعت أن تتجاوز حدود الأهداف لتصنع واقعًا جديدًا للشباب السعودي.

انطلقت «وعد» تحت شعار «استثمار في الإنسان وعهد للمستقبل»، لتبدأ رحلتها من خلال أهداف واضحة، أبرزها توفير 1.2 مليون فرصة تدريبية بحلول 2025. غير أنها تجاوزت هذه الأهداف بكثير في مرحلتها الأولى، محققة نسبة إنجاز بلغت 129 %، أي أكثر من 1.3 مليون فرصة تدريبية موزعة على شرائح واسعة من المجتمع شملت طلاب الجامعات، الباحثين عن عمل، موظفي القطاع الخاص، إضافة إلى مستفيدي الضمان الاجتماعي والأيتام وذوي الإعاقة .

الأرقام تكشف عن حجم الأثر الذي أحدثته الحملة: فقد سجلت أكثر من 200 ألف متدرب في برامجها، واستفاد 17 ألف شخص من خدمات الإعانة المالية الموجهة لهم، كما ساعدت في تمكين 75 ألف صاحب منشأة صغيرة ومتوسطة، ودعمت 42 سيدة سعودية بتمويل إجمالي تجاوز 2.09 مليار ريال. وفي بُعد آخر، ساهمت جهودها في تقدم المملكة إلى المرتبة 20 عالميًا في مؤشر المسؤوليات الاجتماعية، ما يعكس البعد الاستراتيجي للحملة وتأثيرها الإقليمي والدولي.

أما على مستوى المحتوى التدريبي، فقد تضمنت الحملة أكثر من 52 ورشة عمل متخصصة في مجالات حيوية مثل الصناعة، الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات، القيادة، والتسويق. كما أنشأت منصة رقمية متكاملة تتيح للمستفيدين متابعة مساراتهم التدريبية، باستخدام أدوات ذكية لقياس الأثر وضمان الشفافية. ولم تتوقف هنا، بل أسست «نادي وعد» كمنصة مجتمعية توفر ورشًا حوارية، جلسات تطوير مهني، وأنشطة تهدف إلى تعزيز المهارات القيادية والمجتمعية للشباب.

حضور «وعد» امتد من القاعات التدريبية إلى الميدان عبر تنظيم ملتقيات وطنية في مكة المكرمة، جازان، المنطقة الشرقية، والحدود الشمالية، جمعت آلاف الشباب والخريجين وأصحاب الأعمال. وفي هذه الملتقيات، لم يقتصر الأمر على التدريب، بل تضمن جلسات حوارية، لقاءات إلهام، ومعارض مصاحبة، أسهمت جميعها في نشر ثقافة التدريب المستمر وربط المهارات باحتياجات السوق.

ومع بداية مرحلتها الثانية، أعلنت الحملة عن هدف جديد يتمثل في توفير أكثر من 3 ملايين فرصة تدريبية بحلول عام 2028، بمشاركة 60 شريكًا من الجامعات، المؤسسات التعليمية، والمنشآت الوطنية. وتسعى هذه المرحلة إلى توسيع نطاق التأثير لتشمل مناطق إضافية مثل نجران، المدينة المنورة، القصيم، وحائل، من خلال تنظيم ملتقيات جديدة وابتكار مسارات تدريبية أكثر تخصصًا، بما يتماشى مع احتياجات سوق العمل المستقبلية.

ولأن الابتكار جزء من روحها، فقد ركزت «وعد» على التحول الرقمي من خلال منصتها الوطنية التي توفر للمستفيدين بيئة تفاعلية رقمية عالية الجودة، تتيح لهم متابعة الفرص، اختيار المسارات التعليمية الأنسب، وقياس نتائج التدريب بصورة شفافة، إلى جانب تمكينهم من الاستفادة من أدوات التحليل الذكي للبيانات بما يعزز فرصهم في سوق العمل.

إن «وعد» ليست مجرد حملة تدريبية، بل عهد وطني متجدد بين الدولة وشبابها، بأن لا يظل حلم معلقًا ولا طموح بلا دعم. وفوزها بجائزة الشارقة للاتصال الحكومي لم يكن سوى شهادة دولية على أن الاستثمار في الإنسان هو أعظم استثمار، وأن المملكة ماضية بخطى ثابتة نحو مستقبلها الطموح، مسلحةً بوعي شبابها وكفاءاتهم المتنامية


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد