كانت خريطة العالم شغفي، منذ ان اشتريت واحدة من مكتبة الرويح في الخمسينيات، وكنت أتطلع لها كل ليلة، وأمني النفس بزيارة المدن الكبيرة عليها، وربما حققت الكثير من أحلامي، فلم تتبقَّ إلا أماكن قليلة لم أحظَ بزيارتها، وغالباً لن افعل ذلك.
كيف ومن كان وراء وضع خريطة العالم، التي يبدو أننا لا نعرف غيرها؟ بالبحث وجدت الأمور الطريفة التالية:
وضع الخريطة الحالية الفلمنكي (بلجيكا) «جيراردوس مركاتور» قبل 456 سنة، أو عام 1569، وأصبح «إسقاطه» معيارًا في الملاحة البحرية، لأنه يُمثل خطوط البوصلة الثابتة كخطوط مستقيمة، وهو أمر بالغ الأهمية للبحارة، لكن الخريطة تشكو من عدم الدقة، والسبب ان الأرض كروية، لكن الخرائط مسطحة، وبالتالي تطلب الأمر طريقة لإسقاط الكرة الأرضية على خريطة مسطحة، وهذا ينتج عنه تُشوّه، لا يمكن تجنبه، في شكل وحجم القارات والدول، أو في المسافة والاتجاه.
يعتبر اسقاط مركاتور كأي إسقاط أسطواني آخر يقوم على إحاطة الكرة الأرضية بأسطوانة، حيث يتم التلامس بين الكرة والاسطوانة عند خط الاستواء، فيتم إسقاط كل سمات ونقاط الأرض عليها، وتُفتح الأسطوانة بعد ذلك، وتبسط لتشكل خريطة مستطيلة ذات خطوط طول عمودية، وخطوط عرض أفقية، وجميع الخطوط تكون متوازية ومتساوية التباعد في ما بينها، أما خطوط العرض فتكون مستقيمة ومتوازية، ولكن البعد بينها غير متساوٍ، إذ إنها تتباعد كلما اقتربنا من القطبين، واللذين كلما اتجهنا نحوهما ازدادت نسبة التشويه في الاسقاط الأسطواني، ومن هنا تأتي أهمية مسقط مركاتور، حيث إنه يقوم بتقليل هذا التشويه. فمسقط مركاتور هو بالأصل مسقط اسطواني عادي، لكن المصمم قام بتقصير المسافة الفاصلة بين دوائر العرض كلما اتجهنا نحو القطبين بنسبة معينة، وهذا ما يجعل الخط المستقيم، من أي نقطة على الخريطة، إلى القطب مساوياً تقريباً للحقيقة، بعد معالجة نسبة التصغير الخاصة بالخريطة، مما يجعل البوصلة أكثر دقة في الخريطة، لهذا السبب نرى أن الملاحين البحريين يحملون دائماً خريطة «مركاتور» معهم.
يُوسّع إسقاط مركاتور، كما هو معروف، مساحة اليابسة البعيدة عن خط الاستواء. ونتيجةً لذلك، تبدو مناطق، مثل أوروبا وغرينلاند وأيسلندا، أكبر بكثير مما هي عليه في الواقع، بينما تبدو أفريقيا وأمريكا الجنوبية أصغر بكثير من حجمهما الحقيقي.
وقد دفعت هذه الفروقات الهائلة في الحجم بين قارتي أفريقيا، وأيسلندا، مثلاً، البعض للاعتقاد بوجود مؤامرة تهدف إلى تعظم مساحات الأراضي الغربية الشمالية على حساب غيرها، وهذا هراء.
كما أن هناك اليوم خرائط جديدة، مصممة على إسقاط «وينكل تريبل»، حيث يحتوي على توازن أفضل وتشويه أقل، في المساحة والشكل، وتبقى مشكلة المواءمة في كل الحسابات والرسوم بين الورقة المبسطة والمسطحة وبين الشكل الدائري معضلة، بل حالة مستحيلة الحل. ويُعدّ مؤشر تيسو أداة شائعة لتوضيح كيفية تشويه الإسقاطات للمناطق المحلية، فهو يُظهر كيف يتغير حجم وشكل دائرة صغيرة على الكرة الأرضية في مناطق مختلفة على الخريطة.
أحمد الصراف