محمد بن عيسى الكنعان
المتمعن في خطاب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الذي ألقاه إنابةً عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله- في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، يوم الأربعاء 10 سبتمبر 2025م؛ يلحظ أن الخطاب حمل أبعادًا محلية، وإقليمية، ودولية من حيث المضامين، والتوجهات، والمواقف، ما يجعل المواطن السعودي -وحتى غير السعودي ممن يحترم المملكة- يشعر بالطمأنينة والارتياح الكامل والاعتزاز الكبير، فالرؤية واضحة، والقدرات فاعلة، والمقومات موجودة.
لقد أكد الخطاب بلغةٍ جليّة لا تحتمل التأويل على النهج الرشيد والموقف الراسخ، الذي تتبناه المملكة في كل أدوارها الإقليمية ومشاركاتها الدولية، نهج يقف إلى جانب الحق، ويدعم الاستقرار، ويعمل لتحقيق السلام، لهذا واصلت المملكة جهودها النبيلة ودعمها القوي للقضية الفلسطينية، ليس من خلال الشعارات الرنانة، والمغامرات العنترية، ولكن عبر الوعي الكامل للواقع العربي في إطار المشهد الدولي، وذلك بالتعامل بالواقعية السياسية لتحقيق حلم الشعب الفلسطيني بإقامة دولة فلسطين، من خلال تفعيل المبادرة العربية التي طرحتها المملكة عام 2002م بمشروع حل الدولتين؛ حيث قادت المملكة جهودًا جبارة بالتعاون مع الشركاء الدوليين لتعزيز قائمة الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية، بدلالة الحشد الدولي الذي حققه المؤتمر الدولي لتنفيذ حل الدولتين في نيويورك.
والدور السعودي المحوري في النطاق الإقليمي لا يقف عند القضية الفلسطينية باعتبارها (قضية العرب المركزية)، بل نجده يُسهم بشكل فاعل في بلورة واقع تنموي جديد يمنح الإنسان العربي حياةً كريمة كما هو الحال بالنسبة لسوريا بعد سنوات من الاختطاف الأيدلوجي لصالح المشروع الإيراني بالمنطقة، حيث كان للمملكة -وبشكل خاص صاحب السمو ولي العهد حفظه الله- الفضل بعد الله في رفع العقوبات عن سوريا، ودعم وحدة أراضيها في مواجهة دعوات الانفصال ومشروعات التقسيم. والحال ينطبق على مواقف المملكة وجهودها في أمن الدول العربية واستقرارها، التي تعاني إشكالات ونزاعات داخلية كما في السودان واليمن ولبنان. فإذا كان هذا شأن المملكة في محيطها العربي فإن مكانتها الإسلامية تبقى المرموقة والأسمى بحكم خدمتها المميزة للحرمين الشريفين، بدلالة نجاح حج العام الماضي 1446هـ كنموذج يعكس القدرة السعودية الفذة على مستوى (القيادة والحكومة والشعب). كما أن قيادتها الإسلامية، وريادتها الإقليمية، ومكانتها العربية جعلتها دولة مؤثِّرة عالميًا وفاعلة في المشهد الدولي، سواءً على مستوى المشاركات الدولية، أو الوساطات العالمية، أو بعضويتها للمنظمات الدولية الكبرى (مجموعة العشرين).
أما على المستوى الوطني الذي يهم المواطن السعودي بالدرجة الأولى، فكل المؤشرات التنموية تؤكد أننا نسير وفق مستهدفات وبرامج رؤية طموحة نراهن على تحقيق أهدافها الإستراتيجية بمشيئة الله عام 2030 بفضل الله ثم قيادة حكيمة، وحكومة فاعلة، وشعب متمكن وعيًا وعملاً. فالناتج المحلي الإجمالي يتجاوز 4 تريليونات ريال، بنسبة 56 % للأنشطة غير النفطية، ما يعني أن التوجه الإستراتيجي بتقليل الاعتماد على النفط يمضي وفق منهجية الرؤية برفع الإيرادات غير النفطية وتحقيق كفاءة الإنفاق؛ لهذا نجد مستهدفات تحققت قبل موعدها وأخرى بنسب عالية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، حققت المملكة توطينًا للصناعات العسكرية بنسبة (19 %) بعد أن كان (2 %)، والبطالة بأدنى مستوياتها، ومساهمة المرأة في سوق العمل ارتفعت بشكل كبير، وغير ذلك. ناهيك عن بيئة الاستثمار الجاذبة بواقع 660 شركة عالمية اختارت مقارها بالمملكة، والبنية التحتية التقنية التي تؤكدها المؤشرات الدولية بتحقيق المملكة مراكز متقدمة في التصنيف الدولي لكثير من المجالات التقنية، كالأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، الذي تتطلع المملكة إلى أن تكون مركزًا عالميًا لذلك. إن المجال لا يتسع أكثر للاستطراد في أبعاد خطاب ولي العهد -حفظه الله- ولكن يكفي أنه جاء بلغة واضحة، وعبارات موجزة، ومعان محددة؛ تعكس الثقة الوافرة، والشفافية العالية، والعزيمة الصادقة، والإرادة الصلبة.