أحمد المغلوث
في الثمانينات الهجرية. وكنت خلالها طالباً في المعهد الصحي بالهفوف كنت أعد صحيفة المعهد الحائطية واحتجت لكتابة عناوين المقالات والمواضيع إلى أقلام خط خاصة لتتيح لي كتابة. خط «الرقعة» الذي أحبه. فذهبت إلى مكتبة. التعاون الثقافي بالهفوف لصاحبها الشيخ عبدالله الملا -رحمه الله- وكان من أوائل الذين درسوا في أرض الكنانة وبعد أن دخلت المكتبة سألته عن ما أريد. فتبتسَّم. وقال سبحان الله قبل يومين وصلتنا مجموعة من الريش التي يتم تركيبها في قلم واحد وذكر اسم الماركة والنوعية واتجه فوراً إلى فاترينة زجاجية مستطيلة وأخرج من داخلها القلم الذي ما زلت أذكر لونه أسود وممكن أن تضعه في جيبك وفي رأسه تتم عملية تركيب الريشة التي تختارها وتحتاجها للكتابة سواء أكانت لخط النسخ أو الديواني أو الرقعة أو ما تفضل من أنواع الخط إذا كنت ملماً بأنواع الخطوط التي تريد الكتابة بها لكني كنت أفضل ما أجيده واستحسنه دهشت وأنا أشاهد أنواع الريش المختلفة «للخط» توجد ريش رفيعة وعريضة. وبسهوله تختار الريشة التي تراها مناسبة لنوع الخط الذي تريد، بل عرض علي الشيخ الجليل طقماً كاملاً يشتمل على قلم حبر وقلم رصاص والجميل على ما أذكر أن القلم الرصاص كان يحتوي على كمية من الرصاص الإضافي تكفي للكتابة به لفترة طويلة، ولم أتردد أن أشتري الطقم ومعه عدة ريش مختلفة.
وبحكم أنني كنت أحجز لديه ما كنت أفضله من المجلات العربية وبعض الصحف المحلية وكل خميس أتردد على هذه المكتبة التي باتت شهيرة لا في الهفوف فقط وإنما في الأحساء وحتى الخليج وكان -رحمه الله- يخصني بمنحي مجاناً بعض رجيع المجلات التي لا تُباع فكنت أعود لبيتنا في المبرز حاملاً كنزاً أسبوعياً من المجلات وحتى بعض الصحف المحلية، تذكّرت ذلك عن أقلام الخط، ما قرأته مؤخراً وأسعدني من قيام وزارة الثقافة الموقرة ومن خلال مبادرة مركز «الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي من إعداد دورات تدريبية مختلفة في أنواع الخطوط العربية الشهيرة.. يا الله ما أروع هذه المبادرة وكم بحاجة إليها البعض من شبابنا الموهوبين والذين هم بحاجة إلى تطوير وتنمية قدراتهم في هذا المجال الثري بالإبداع. بُوركت وزارتنا الثقافية الساعية دوماً لمزيد من تنمية القدرات الوطنية. في هذا العهد الزاهر بالعطاء صباح مساء.. والجميل أن تأتي هذه المبادرات والدورات في وقت انشغل فيه الكثير من أبناء الوطن واعتمدوا على ما هو موجود ومتاح في أجهزة الكمبيوتر من خطوط متنوعة. هذا ويلاحظ انتشار الأجانب من غير المسلمين في القيام بتنفيذ لوحات من وحي «الخطوط العربية»، بل وتباع وتستنسخ أكثر في الأسواق العالمية وحتى العربية، وسبق أن شاهدت معارض لفنانين غربيين ومبدعين مسلمين من باكستان والهند وأفغانستان وإيران وإندونيسيا وتركيا جعلوا من فن الخط العربي «باب» رزق لهم.. وبما أن الإبداع ليس حكراً على دولة دون أخرى فإننا نجد انتشاراً كبيراً للاهتمام بفن الخط العربي الأصيل في العديد من الدول العربية والإسلامية، ومن هنا تتجلّى أهمية مثل هذه الدورات التدريبية الخلاَّقة وخصوصاً أن وزارة الثقافة تقف خلف هذا الاهتمام الكبير مع كل تقدير وبدعم كبير من عرَّاب الرؤية الخلاَّقة أميرنا المحبوب، فلا عجب بعد هذا وقبل هذا أن الخط العربي وثق ومن البداية القرآن الكريم مع المساهمة في تنمية القدرات والمواهب التي تتجدد يوماً بعد يوم.. ببركة الله وتوفيقه.