تغريد إبراهيم الطاسان
حين نتأمل المشهد الإنساني بكل أبعاده، ندرك أن المواقف التي تترك بصمة في وجدان الشعوب ليست تلك التي تُقال فقط، بل تلك التي تتحول إلى عمل ملموس يغيِّر حياة الناس ويمنحهم الأمل. وفي هذا السياق، يواصل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية دوره الريادي في دعم الشعب السوري الشقيق عبر سلسلة من المشاريع النوعية التي جرى تدشينها مؤخرًا، لتجسد الرسالة السعودية الأصيلة في مد يد العون لكل محتاج، دون تمييز أو انتظار مقابل.
لقد أطلق المركز باقة من البرامج الإنسانية المتنوعة، امتدت لتغطي مختلف الجوانب الأساسية للحياة: من الصحة والغذاء، إلى التعليم والسكن، وصولاً إلى رعاية الأيتام ودعم الفئات الأشد ضعفًا. هذه الجهود ليست مجرد مشاريع، بل هي رواية مكتملة الأركان عن التلاحم الإنساني، وشهادة حيَّة على أن التضامن هو اللغة التي لا يخطئها قلب إنساني صادق.
في القطاع الصحي، كان للمركز إسهام كبير في تعزيز المنظومة الطبية داخل سوريا، من خلال تدشين 17 مستشفى مجهزًا بالمعدات اللازمة، وتوزيع 454 جهاز غسيل كلوي على مختلف المحافظات. كما لم يقتصر الدعم على الأجهزة، بل شمل تدريب وتأهيل الكوادر الطبية وتوفير برامج متخصصة في الرعاية الأولية، استفاد منها أكثر من 61 مبادرة طبية تطوعية غطت مناطق واسعة. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي أرواح استعادت حقها في العلاج وفرصة جديدة للحياة.
أما في مجال الأمن الغذائي، فقد كانت استجابة المركز متميزة، إذ تم ترميم 30 مخبزًا حكوميًا و29 خطًا لإنتاج الخبز، إلى جانب توريد 13 خطًا جديدًا بالكامل. ومن خلال تجهيز مخازن متكاملة، استفاد أكثر من 1.4 مليون شخص من هذه المبادرات، بما يضمن لهم الحصول على قوت يومهم بكرامة، ويعيد شيئًا من الاستقرار لأسر أنهكتها الظروف.
ولأن المساعدات الإنسانية لا تكتمل إلا إذا وصلت مباشرة إلى الناس في أماكنهم، أطلق المركز جسرًا بريًا ضخمًا يضم 50 شاحنة محمَّلة بالمواد الطبية والإغاثية والسكنية، إضافة إلى تزويد المناطق بسيارات إسعاف وأجهزة طبية متقدمة. إنها صورة حيَّة لمعنى الكرم السعودي الذي لا يعرف الحدود، ويعمل بصمت وإنسانية بعيدًا عن الأضواء.
وفي جانب الإيواء وإعادة التأهيل، استهدفت المبادرات ترميم 715 منزلاً تضرر من الزلزال الذي ضرب حلب، ليجد المتضررون مأوى آمنًا يعيد لهم دفء الحياة وشيئًا من الاستقرار بعد سنوات من المعاناة.
كما أولى المركز اهتمامًا خاصًا برعاية الأيتام، عبر مشروع «أمان» الذي يضمن للأيتام ومعيليهم الدعم الشامل، بدءًا من تكاليف المعيشة الأساسية وحتى الاحتياجات التعليمية والاجتماعية. هذه اللفتة تحمل في جوهرها بعدًا إنسانيًا عميقًا، إذ لا يقتصر الدعم على سد الاحتياجات المادية فحسب، بل يمتد ليشمل بناء الثقة والطمأنينة في نفوس الأطفال الذين فقدوا السند.
وإذا كان العطاء السعودي قد تجلَّى في هذه المشاريع، فإن ما لمسناه من عظمة الشعب السوري لا يقل بهاءً وروعة. فهذا الشعب، رغم سنوات المعاناة والخراب، ما زال واقفًا شامخًا، يبرهن للعالم أن قوة الإرادة والإيمان بالله قادرة على إعادة البناء مهما طال الألم. لقد وجدنا في وجوه السوريين عزيمة لا تنكسر، وكرامة لا تُساوَم، وروحًا متوثبة نحو غدٍ أفضل.
ولعل أكثر ما يبهج القلوب أن هذا الشعب الذي ذاق مرارة الحرب والحرمان، استقبل الوفد السعودي بحفاوة صادقة ورقي إنساني نادر. كلمات الترحيب العفوية، وابتسامات الامتنان، ومشاعر الأخوة التي غمرت اللقاءات، كلها كانت دليلاً على أن الخير حين يصل إلى أهله، يثمر محبة تتجاوز الحدود. لقد أظهر السوريون أن الوفاء قيمة متجذِّرة فيهم، وأن تقديرهم للمواقف النبيلة يوازي شموخ تاريخهم العريق.
إن هذه المشاريع جميعها، بما تحمله من تفاصيل وعطاءات، ليست مبادرات عابرة، بل هي امتداد لرؤية المملكة في أن تكون رائدة عالميًا في مجالات العمل الإنساني والإغاثي. إنها تعكس فلسفة المملكة القائمة على أن التضامن الإنساني قيمة أصيلة، وأن خدمة الإنسان أينما كان هي واجب أخلاقي قبل أن تكون التزامًا سياسيًا أو دبلوماسيًا.
ومن اللافت أن هذه الجهود الكبيرة لم تمر بصمت؛ فقد تفاعلت معها قنوات إعلامية سعودية وعربية ودولية، كما نقلها المؤثِّرون على منصات التواصل الاجتماعي إلى جمهور واسع. وهذا يعزِّز صورة المملكة كدولة محبة للسلام، ساعية للخير، وحاضرة دائمًا في ساحات الإغاثة.
إن ما يقوم به مركز الملك سلمان للإغاثة بشكل عام، يؤكد أن السعودية ليست فقط وطنًا للخير داخل حدودها، بل هي وطن ممتد برسالته إلى كل محتاج في العالم. ومهما كانت التحديات، يبقى العطاء السعودي أكبر من كل ألم، وأصدق من كل شعار.
وفي النهاية، قد تختلف اللغات والثقافات، لكن الإنسانية تظل اللغة المشتركة التي يفهمها الجميع. والسعودية وسوريا اليوم، يكتبان معًا بهذه اللغة أبهى فصول التضامن التي ستخلد تفاصيلها على صفحات التاريخ.