سلطان ابراهيم الخلف
توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق من حزب العمّال، كان إنجيلياً متديناً. وقد صرّح بأنه اتخذ قرار غزو العراق مع الولايات المتحدة من منطلق عقيدته الإنجيلية «إذا كنت تؤمن بالرّب، فإن ما تفعله هو تعبير عن إرادة الرب».
بهذه العقيدة التي تشترك مع إنجيلية الرئيس الأميركي اليميني المتطرّف جورج بوش الابن، تم غزو العراق في 2003، ما أدى إلى تدمير المؤسسات العراقية الرسمية، وقتل أكثر من مليون عراقي، وتدمير البنية التحتية، ثم تسليم العراق إلى إيران، الذي كان بمثابة خذلان أميركي - بريطاني للعرب، كما وصفه وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل.
يعتقد العديد من الساسة البريطانيين أن غزو العراق كان «جريمة حرب»، واعتبروا بلير «مجرم حرب»، لأنه خدع البرلمان البريطاني عندما ادّعى أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وقد ثبت في ما بعد أنه لا يمتلك مثل تلك الأسلحة.
وقد تعرّض بلير في العديد من المناسبات إلى مواقف محرجة، حيث واجه فيها تنديداً به كـ«مجرم حرب» أمام الصحافيين. ويصّرٌ المندّدون على إحراجه في كل مناسبة، وتذكيره دائماً بأنه «مجرم حرب».
عام 2007 أعلم بلير، بابا الفاتيكان السابق بنديكتوس السادس عشر، أنه يرغب في التحوّل إلى الكاثوليكية، حيث رحب به البابا، وتم استقباله بحفاوة من قبل الكاردينال كورماك ميرفي، ويعتبر من قبل الفاتيكان بأنه من أكثر الشخصيات الكاثوليكية تأثيراً.
علماً بأن البابا، استقال في وقت لاحق، بسبب ما تردد عن تعتيمه على جرائم الإعتداءات على الأطفال، التي ارتكبتها مجموعة من القساوسة.
ليس سراً أن بلير الذي يعتبر التطرف الأصولي، الخطر الأعظم على العالم، كان معجباً بمواقف بنديكتوس الدينية المتطرفة تجاه المسلمين، ويعتبره متوافقاً مع موقفه، ويدعم بطريق غير مباشر، عدوانه على أفغانستان والعراق.
في 2009 نال بلير «الميدالية الرئاسية للحرية» من قبل بوش الابن تقديراً له على جهوده في دفع بلاده نحو الانضمام إلى الولايات المتحدة في غزو العراق وأفغانستان!
ربما من المفارقات العجيبة، أن يؤسس بلير عام 2016 معهد التغيير العالمي «TBI»، وهو معهد يقدم المشورة للحكومات والقادة من أجل مستقبل أفضل، بعد الحروب التدميرية التي شنّها مع الولايات المتحدة على الدول الإسلامية، وأشعل الفوضى في الشرق الأوسط، وتسبّب في معاناة إنسانية كبيرة للشعبين الأفغاني والعراقي، مع خلفيته الدينية المتعصبة العمياء، والبعيدة عن مفهوم العلمانيّة الغربية والحياد العلمي، والسلام، الأمر الذي يثير علامة استفهام كبيرة حول طبيعة معهده الحقيقية.
وقد تعرّض إلى نقد شديد من قبل المحللين السياسيين بعد أن كشفت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية عن دور معهده في تبييض جرائم الإرهابي بنيامين نتنياهو في غزة، من خلال تقديم المشورة إلى رجال أعمال صهاينة وأميركيين حول مشاريع ما بعد «حرب الإبادة» على غزة والتي تعرف بـ«ريفييرا غزة»، حسب وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
لعل أدق وصف لشخصية بلير، إجابة الإعلامية البريطانية آش ساركر، عن مدى أهمية مشاركته في مناقشة «مشروع الريفييرا»، بقولها «أعتقد لأن الشيطان لم يكن متاحاً»!