إدارة الأزمات الإعلامية موضوع حساس جدًا، والمعتاد -للأسف- أن يتم التعامل معه في كثير من الجهات الحكومية والخاصة وكأنه ملف روتيني يوضع في الدرج، لا يُفتح إلا بعد اشتعال الأزمة، وكأننا نبحث عن دليل إرشادي منسي، بينما الحقيقة أن هذا الملف يجب أن يكون حيًّا، مرنًا، متجددًا، يُبنى على فهم عميق للمشهد الإعلامي وسرعة التفاعل مع الجمهور.
ما دعاني لتناول هذا الموضوع هو خطورة الأزمات في زمن السرعة، فاليوم قد تُسقط أزمة إعلامية شركة كبرى في ساعات، وتنهي مسيرة مسؤول بارز في لحظة، والأمثلة الحالية موجودة حيث نتابع حاليًا إفلاس علامة سعودية شهيرة في قطاع الوجبات السريعة، بينما تواجه علامة سعودية أخرى هزة قوية قد تهدد استمرارها، وهذا المشهد يحزننا جميعًا، لأن المتضرر الأكبر الاقتصاد المحلي والأهم أيضاً هو الموظف السعودي والأسرة التي تعتمد على راتبه الشهري وخسارته وظيفته عند الإفلاس أو التأثر بالأزمة.!
المشكلة ليست في وقوع الأزمة ذاتها، بل في غياب التفكير الاستراتيجي لإدارتها، كثير من الجهات تكتفي بشراء ما يُسمى "استراتيجية الأزمات الإعلامية" من شركات استشارية، بينما الحقيقة أن معظم هذه الخطط ملفات منسوخة تُباع لعشرات الجهات مع تغييرات طفيفة في الاسم والشعار، فلا قيمة لها لحظة اشتعال الأزمة.
على سبيل المثال قصة إفلاس همبرجيني؛ وهي علامة سعودية بارزة انهارت بسرعة، ليس بسبب التعثر المالي وحده، بل لأن الشركة تركت فراغًا إعلاميًا خطيرًا استغلته الشائعات، فتحولت القصة من "تحدي مالٍ" إلى "سقوط علامة"، وكذلك أزمة شركة الوجبات الشهيرة الأخيرة، بعد الاستفزاز نتيجة للازمة التي تعرضت لها ببث إعلان دعائي بسيط فجّر موجة غضب واسعة، وتصاعد وسم المقاطعة سريعًا، بينما تأخر الرد الاستراتيجي المدروس فزاد الضرر.
هذه الأخطاء ليست محلية فقط، طيران يونايتد خسرت أكثر من 1.4 مليار دولار في 2017 بعد انتشار فيديو راكب يُسحب بالقوة، ليس بسبب الحادثة نفسها، بل بسبب الرد المتأخر والمتعالي، شركة بيبسي كولا العملاقة في العام نفسه سحبت إعلانًا خلال ساعات بعدما اعتبره الجمهور مسيئًا لقضايا اجتماعية، حتى H&M ما زالت تدفع ثمن أزمة صورة طفل بقميص اعتُبر عنصريًا في 2018، فيما خسرت تايوتا العالمية أكثر من 2 مليار دولار بسبب تأخرها في التواصل مع عملائها عند سحب ملايين السيارات!
لذلك هناك خطورة كبيرة عند غياب القيادة الإعلامية المحترفة أثناء الأزمات، حيث لا يكفي الاعتماد على ملفات استشارية مكررة، بل نحتاج إلى إعلاميين حقيقيين يديرون الموقف بوعي، سرعة، وقراءة دقيقة لمزاج الجمهور… لأن دقيقة تأخير واحدة قد تُسقط سنوات من النجاح، ولي شخصياً مقولة شهيرة وهي "عند حدوث الأزمات لا تبحث عن القانونيين، بل ابحث عن الإعلاميين"!