في عالمٍ خالٍ من الكاميرات، وقواعد البيانات البيومترية، أو حتى التهجئة الصحيحة للاسم، كان تحديد هوية الأفراد تحدياً معقداً، قبل أن يُساعد التصوير الفوتوغرافي في تثبيت الهوية من خلال الصورة. لكن المجتمعات طوّرت مجموعةً من الأساليب لتحديد هوية الشخص، خصوصاً خارج مجتمعه الأصلي، مثل وجود ندوب في الجسد، أو وجود عيوب خلقية.
كان الاسم هو المؤشر الأساسي للهوية لقرون، لكنه لم يكن كافياً في كثير من الأحيان، خصوصاً إذا كان شائعاً. وحتى أواخر الخمسينيات، كان بإمكان أي شخص في الكويت، إطلاق ما يريد من أسماء على نفسه، والانتماء إلى أي قبيلة أو عائلة، أو منطقة أو دولة، أو أي صنعة أراد، طالما أنه لم يقم باستخدام الاسم القديم في شراء عقار أو مصاهرة، أو إصدار جواز سفر. لكن مع صدور قانون الجنسية عام 1959، وبطاقة الجنسية تالياً، أصبح انتحال أي اسم أو الانتماء إلى أي أسرة أمراً صعباً، وزاد صعوبة مع صدور قانون «البطاقة المدنية»، لكن بسبب المغريات المادية العديدة، التي يحصل عليها حامل الجنسية الكويتية، فقد دفع ذلك أجانب ومواطنين إلى التواطؤ للحصول عليها بشتى الطرق غير القانونية!
* * *
في 2010 أُجري في أمريكا تعداد تبيّن منه وجود أكثر من 6 ملايين اسم عائلة مختلف، وهناك مئات الملايين غيرهم حول العالم. واسم الأسرة الأكثر شيوعاً من غيره، عالمياً، هو الصيني «وانغ»، ويحمله 106 ملايين شخص، ويعني «أمير» أو «ملك». وتعتبر أسماء: سميث، جونسون، ويليامز، براون، أو جونز، أسماء الأسر الأكثر شيوعاً في الدول الناطقة بالإنكليزية. كما يعتبر اسم «محمد»، الأكثر انتشاراً في العالم لاسم شخص.
مع نمو السكان، تطلبت قوانين الملكية والزواج والوفاة والميراث ومتطلبات الأمن، أن يكون لكل فرد اسم ثلاثي أو رباعي يختلف عن غيره، وأصبح اللقب العائلي مهماً لتحديد الهوية، علماً بأن مفهوم الألقاب يعود إلى آلاف السنين، أقدمها في الصين، ومنها اسم لا يزال يستخدم منذ خمسة آلاف سنة. وكانت الأسر فيها تنسب نفسها عائلياً إلى الأم، قبل أن يتغيّر إلى الأب، خلال الفترة من 1600 إلى 1046 قبل الميلاد. كما أن استخدام الألقاب لم يكن شائعاً في أوروبا قبل الغزو النورماندي لإنكلترا عام 1066، خصوصاً بين العوام. ولم تبدأ الألقاب العائلية بالانتشار إلا مع إدخال البارونات النورمان نظامهم للألقاب الثابتة والوراثية. وبحلول القرن الـ15 انتشرت الألقاب الوراثية على نطاق واسع في إنكلترا وأجزاء من أسكتلندا، وتبعهم بقية الناس. كما ساعد إدخال سجلات الرعية و«الكنيسة» في القرن الـ16 في حفظ الألقاب، وبدأت المجتمعات في حفظ أنظمة التسجيل المدني، وتوحيد استخدام وتهجئة الألقاب، فاسم «شكسبير»، مثلاً كان يكتب بـ80 تهجئة مختلفة. وهناك من تسمى بأسماء تعود إلى مدينة أو منطقة، فربما كان المعنى الأصلي لاسم «تشرشل» يعود إلى شخص عاش بالقرب من كنيسة مبنية على تل Church hill. وربما جاء لقب «ساوثغيت» لمن كانت أسرته تعيش بالقرب من البوابة الجنوبية لمدينة ما. كما اشتقت أغلبية الأسر أسماء العائلة من اسم أحد جدودها. ويعتبر اسم سميث اللقب الأكثر شيوعاً في المناطق الناطقة بالإنكليزية، ومشتق من كلمة إنكليزية قديمة تعني «الضرب»، كعمل الحداد، وفي أمريكا وحدها هناك أكثر من 2.3 مليون شخص يحملون لقب سميث.
أما في الدول العربية والإسلامية، بما فيها الإمبراطورية العثمانية، وتوابعها، فلم يكن فيها يوماً نظام يختص بتسمية الأسر، إلا لعدد محدود من أصحاب الألقاب والقادة والمشاهير، من زعماء وكتَّاب. وكانت المرة الأولى، التي اعتمد فيها اسم العائلة عام 1925، عندما أسقط الزعيم المصلح مصطفى كمال الدولة العثمانية، واعتمد استخدام اللقب العائلي، وأطلق على نفسه لقب «أتاتورك» أو أبو الأتراك.
أحمد الصراف