: آخر تحديث

سلام.. بشارة لبنان الآتي المعافى!

2
2
2

على امتداد مرحلة تاريخية متعثرة شهدها العالم العربي، ولم تنتهِ بعد، أصبحت "اللبننة" أمَّ الانحدار والانحطاط الذي يصيب بلدًا أو شعبًا، وكادت تختزل وتعبر عما بلغته المنطقة من رثاثة وسوء!

وبات هذا اللقب ينطوي على مستوى المهانة التي حلّت بمن ابتُلي به. رغم أن ألقاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة ظلت تلازم كل مسؤول يتعاقب على السلطة، ترافقه وتحوطه هالة السلطة في أفضل حالاتها: من حراسة تحيط به، وموكب يرافقه، وطائرة رئاسية يتنقل بها، وطابق رئاسي يقيم فيه مسوَّرًا بزبانيته المختارة أينما حلّ ضيفًا أو زائرًا لحضور لقاءٍ أو اجتماع، وتنقطع أوصال الشوارع كلما تحرّك موكبه في وجهةٍ غامضة المناسبة!

وبوتيرة متسارعة، تراجعت استخدامات "اللبننة" مع استمرار حالة التردّي المؤسف التي ظلّ لبنان والشعب اللبناني يعانيان من ويلاتها، لتحلّ بدلًا منها "العرقنة"، التي فاقت بعواقبها ما تعنيه من رثاثة وانحطاط في كل المستويات، ولن يبقَ سالمًا فيها سوى الألقاب السامية التي جُرِّدت من دلالاتها.

لقد تداولنا، مثل ملايين الناس في العالم، قصة وسلوكيات رئيس الأوروغواي خوسيه موخيكا، أفقر رئيس في العالم. وقبله تابعنا سيرة نيلسون مانديلا كأيقونة للصمود ورجل دولة زاهد في المنصب، يتخلى —رغم إلحاح رفاقه— عن البقاء في الرئاسة لأكثر من دورة.

وكذلك ميشيل باشيليت، رئيسة تشيلي، التي غادرت المنصب مرتين برغبتها، رافضة تعديل الدستور لصالح تمديد ولايتها، فتركت في الأذهان صورة القائدة التي تحترم الإرادة الديمقراطية فوق نزوع السلطة.

ونماذج أخرى على هذا النسق في أميركا اللاتينية. وحسرتُنا ظلّت تثير الأسى في نفوسنا كما لو أنه "جبلٌ يتنقّل معنا": ننتظر زعيمًا بيننا يقدّم نموذجًا يثري قناعتنا بأن الدنيا بخير، وأمّتنا ولّادة، ولا يمكن أن تتركنا نموت بحسرتنا..!

ومن "اللبننة" التي بقيت تحاصر اللبنانيين، يفاجئنا نواف سلام، وهو يتنقّل بسيارتين، عازفًا عن موكب الفضيحة المستفز. وقد رأى البعض أن هذا، في التقدير، مجرّد ذرٍّ للرماد في العيون وادّعاء وجاهة كامنة تنتظر.

ويأتي نزوله من طائرة الشرق الأوسط مع المسافرين متوجّهًا إلى بغداد للمشاركة في مؤتمر القمّة، هاجرًا الطائرة الرئاسية، متنبهًا إلى محنة خزينة الدولة، وحال الناس الذين تبخّرت مدّخراتهم.

لكن نواف يستذكر تاريخه حين كان يمشي بين الناس منذ نعومة أظفاره، وحين تطلّب الأمر حمل البندقية دفاعًا عن حق الناس في عيش كريم، فيمنحنا "هدية العيد":

فيسافر مع حرمه في إجازة العيد، فإذا المواطنين ركّاب الدرجة السياحية ينظرون، غير مصدّقين، أن رئيس وزرائهم مع زوجته يجالسانهم في المقاعد نفسها. فيتزاحمون لالتقاط الصور التذكارية معه، محتفلين بالعيد الغريب، وهم يتذكرون لعنة "اللبننة"!
بشارةٌ تنتظر معجزة، لكي لا تكون وهمًا وسحابة صيف.

فيا لحسرتنا نحن الذين بقينا أسرى رجال الصدفة والخيبة، وهم يطاردوننا بألقاب الفخامة والمعالي والسعادة، رغم أن لقب "السيادة" الحاف يكفيهم.. وقد يفيض..!
سلامًا نواف سلام.
لعلك بما تفعل تبشّر بلبنان الآتي، معافى، يستعيد وهجه كواحة للرخاء والسيادة والتكافل والحياة الحرّة.
ويعود ثانيةً وطنًا لكل الذين لا وطن يقرّ بوطنِيّتهم..!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد