عبده الأسمري
ما بين «بداوة» الأصل و«حفاوة» التأصيل اجتاز «ضراوة» «المشهد» بمهارة البحث وضرورة «الترسيخ» ممتطياً صهوة «الجرأة» مقاوماً سطوة «المواجهة» بفروسية «عالم» وفراسة «باحث».
تعمق في «الأساطير» وتدبر في «الوثائق» وانتشى «أنفاس» التاريخ رغماً عن «عواقب» الجغرافيا محولاً «الشعر النبطي» إلى ملاحم كشفت ملامح «الأصول» حتى سبر «أغوار» الإنسان وتجاوز «أسوار» الزمان بحثا عن «إجابات» مثالية لا تنتظر «التصحيح» بعد أن انتزع «الصواب» من أعماق «التساؤل».
جاء من أقصى «الطمأنينة» يسعى متخذاً من «الترحال» وجهاً للاستدلال باحثاً عن تلك «المرويات» المحفوظة في صدور «الأجداد» واضعاً مجهر «الاستقصاء» على جزيئات «مهمشة» لينقلها من «الشفوية العابرة» إلى «العلنية المسطرة» بوقائع «الرسوخ» وحقائق «الوضوح».
إنه العالم والباحث والمؤلف الدكتور سعد الصويان أحد أبرز علماء «الأنثروبولوجي» والتاريخ والتراث في السعودية والعالم العربي.
بوجه «قصيمي» تكسوه سمات «الحنكة» وتعلوه صفات «الدراية» مع تقاسيم «عنيزية» تتقاسم «الشبه» بين والديه وأخواله وعينان لماحتان بنظرات التمعن والإمعان مع سحنة «مألوفة» وعبارات «مزيجة» ما بين لغة عصماء فصيحة تنطلق ما بين عباراتها «أمثال شعبية» أصيلة المعنى و»لهجة دارجة» نبيلة المقصد ومخزون لغوي مستدام من اللغتين العربية والإنجليزية ومكنون ثقافي فريد يسطع بأدب الحوار ورقي النقاش ويتعامد على معرفة مستفيضة في العلوم والتخصصات النظرية والتطبيقية مع خبرة عريضة في مجال «التأليف» المعرفي و»التكوين» العلمي قضى الصويان من عمره عقودا وهو يجوب «الأماكن» بحثاً عن «قيم الأثر الإنساني» و»مقام التأثير البشري» للوقوف على «مقامات» الإرث الشعبي المنوع الذي أكمل «تواريخ» العصر الجاهلي والمكوث في «مدارات» العلم الوطني المتنوع الذي جدد «مواعيد» الحضارة على بوابات «البحوث» أكاديمياً وباحثاً ومؤلفاً وعالماً متميزاً نال التمكين والمكانة بواقع الدور ووقع الأداء.
في «عنيزة» المتوهجة بسير النابغين والساطعة بأثر المبدعين ولد في «يوم» مشفوع بذاكرة «بيضاء» خلدت «الموعد» في متون «البركات» وازدانت «منازل» القصيميين» الأوائل بوميض التهاني التي ملأت أرجاء منزل والده «الشاعر الحصيف» وتسللت إلى قلب والدته السيدة الفاضلة بين قريناتها من نساء البلدة الشهيرات بنبل السمعة وفضل السيرة.
أطلقت الأسرة عليه اسم «سعد» تيمناُ بأيام خوالي كان المسمى وسطها إشعاع «أمل» يرسم «الجبر» ويعيد «الأمنيات» إلى سيرتها الأولى الحافلة بالتفاؤل.
تزاحمت في «وجدان» الطفل الصغير ذي العينين اللامعتين «مشاعر» الطفولة الأولى التي جعلته «ثاوياً» في أهل اليقين وما أن بدأ «الركض» حتى ظل يبحث بفطرته «المثلى» عن ظلال والديه ومحياهما بعد أن افتقدها وسط «الوجوه الطيبة» التي أحاطت به ومضى يوزع «الأسئلة» العفوية بإسراف حتى جاءت «الإجابة» على طبق من الحنان بأن والديه قد توفيا قبل أن يبلغ فطامه مما جعله يرتمي في «أحضان» جده لأمه» الراوي الشهير الذي تمكن من «سد ثغرات» اليتم بعاطفة ملأ بها قلب «الصغير اليتيم».
تفتحت عيناه على «واحات» قريته الخضراء التي غمرت قلبه بمواسم «التعاضد» وظل يرتقب مشاهد «السواني» وأصواتها التي تمازجت مع الأمطار الموسمية حيث تعتقت نفسه برياحين «الأصيل» وتشربت روحه أنفاس «الغروب» المتناغمة مع «مساءات» قريته الماكثة في قلب «الحنين».
ركض طفلاً يرتقب «روايات» جده التي شكلت له «دهرين» من التبصر أحدهما للاستماع والآخر للاستمتاع حيث دوت في أعماقه أصداء «التفكر» التي نقلته من موجات «الحيرة» إلى دروب «البصيرة» التي أرضى بها غروره الباكر بالبحث في تفاصيل «الزمن» عن موجبات «النبوغ» وعزائم «التفوق».
درس في بلدته وظل يقتنص من وجوه «المعلمين» ابتسامات «الرضا» وظل يكتب في «أوراقه» أسئلة الصباحات الباكرة التي تقاطعت مع فضول معرفي «عميق» ظل يبحث عنه في مرابع «البسطاء» وبين ثنايا «البادية» ووسط مواطن العابرين على عتبات «السفر» ليؤنس نهاراته بمعارف «راسخة» أجابت على «ألغاز» مكبوتة تحولت إلى «معانٍ» مكتوبة تجلت في أفق «المنطق».
أتم دراسته بتميز ثم طار إلى الخارج حيث نال درجة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة شمال الينوي عام 1971 ولأنه مسكون بالعلا واصل دراسته وحصل على الماجستير في الانثروبولوجيا من نفس الجامعة عام 1974 ثم نال درجة الدكتوراه عام 1982 في الفلكلور والدراسات الشرقية من جامعة كاليفورنيا في بيركلي.
عاد إلى أرض الوطن وتعين على رتبة أستاذ مساعد في جامعة الملك سعود وتعين على وظيفة المشرف على متحف التراث الشعبي في كلية الآداب وفي عام 1984 تم تعيينه رئيساً لقسم الدراسات الاجتماعية وتمت ترقيته إلى أستاذ مشارك عام 1987، وفي عام 1989 حصل على منحة من جامعة ألمانية لإجراء البحوث ومقابلة المختصين بالدراسات الشرقية وقد تمت إعارته إلى دار الدائرة للنشر والتوثيق من عام 1991 وحتى عام 2002 ثم عاد إلى جامعة الملك سعود.
وفي عام 2003 حصل على درجة «الاستاذية» وفي عام 2017 تم تعيينه عضوا في مجلس إدارة الهيئة الملكية لمحافظة العلا
وقد تولى في الفترة من 1983- 1990 مشروع جمع الشعر النبطي من مصادره الشفهية حيث سجل مئات الساعات في مقابلات شفهية مع رواة البادية وقام بجمع الكثير من الأشعار والقصص والإرث التاريخي الشفهي.
وتولى خلال الفترة من عام 1991 -2001 منصب رئيس ومدير عام المشروع الوثائقي الملك عبد العزيز آل سعود: سيرته وفترة حكمه والذي صدر عن دار الدائرة للنشر والتوثيق في عشرين مجلدا احتوى كل مجلد على 700 صفحة وملخصات عربية وخمسين ألف وثيقة تم جلبها من دوائر الأرشيف في بريطانيا وفرنسا وأمريكا.
كما تولى الصويان مهمة المشرف العلمي ورئيس هيئة تحـرير المشـروع الوثائقي الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية الذي صدر عن دار الدائرة للنشر والتوثيق في 12 مجلدا يقع كل منها في حدود 500 صفحة.
قام بإصدار عشرات الكتب ومنها جمع المأثورات الشفهية. وحداء الخيل..
والشعر النبطي: ذائقة الشعب وسلطة النص وكتاب فهرسة الشعر النبطي.
والصحراء العربية: ثقافتها وشعرها عبر العصور، قراءة أنثروبولوجية.
وأصدر كتاب أيام العرب الأواخر: أساطير ومرويات شفهية في التاريخ والأدب من شمال الجزيرة العربية مع شذرات مختارة من قبيلة آل مرة وسبيع.
وأصدر كتب فُسح سهوا «مقالات في الشأن المحلي السعودي» وملحمة التطور البشري. وأطروحات أثنولوجية.
وله العديد من المقالات والرسائل العلمية في دراسة اللهجات والشعر النبطي ودراسات تاريخية واجتماعية.
عام 2015م اقتنى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات المجموعة الصوتية للصويان التي سُجِّلت في مختلف مناطق السعودية مع أبرز الرواة والشعراء من البادية ما بين عامي 1403هـ و1410هـ. وقد ضمت 585 تسجيلاً صوتياً.
فاز الدكتور سعد الصويان بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع التنمية وبناء الدولة، في الدورة الثامنة عام 2014، عن كتابه «ملحمة التطور البشري».
وحصد الصويان جائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية في دورتها السادسة عام 2017م مناصفة مع الدكتور عبدالرحمن الأنصاري.
وفاز بجائزة «شخصية العام الثقافية» من مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية في دورتها الرابعة 2024.
سعد الصويان.. العالم الخبير والمؤلف القدير الذي حول «المعارف» إلى مؤلفات ناطقة بالمنهجية ومنجزات زاخرة بالأصالة في علوم «الإنسان» ومعالم «العصور».