: آخر تحديث

الغرب الأوسط الجديد

3
3
3

عبداللطيف الضويحي

تبدو العلاقة وثيقة بين الأحداث التي تشهدها منطقتنا العربية والمتنقلة بين العديد من بلدانها. وكأن ما يجري في السودان وثيق الصلة بما يجري في ليبيا، وما يجري في البلدين يتناغم بشكل أو بآخر مع ما يجري في غزة وفلسطين ككل. وهذا إذا صح، فإن ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد تتم صناعته وصياغته من نفس المستعمر وبذات الأدوات الاستعمارية ويتم طبخه بنار زاد لهبها في السنوات الأخيرة لكي لا يتأخر ميلاد الشرق الأوسط الجديد عن موعده المرسوم له وفقاً للساعة والبوصلة الغربية من خلال وبواسطة نفس القوى التي خرجت منه قبل ما يقرب من مئة عام وفي منتصف القرن الماضي.

فلماذا بقيت منطقتنا ساحة للمستعمرين حتى بعد الاستقلال وبعد حركات التحرر، خلافاً لما شهدته الكثير من مناطق العالم بعد طرد الاستعمار منها، والتي رغم ما يسود بعضها من توترات أحياناً إلا أنها تقدمت كثيراً ودخلت المنافسة الاقتصادية، وتجاوزت شعوبها المرحلة التي تركها عندها الاستعمار بمراحل كثيرة؟ ما الذي يجعل منطقتنا والقارة الأفريقية لا تزالان عند النقطة التي تركها عندها المستعمرون وربما أقل بكثير من تلك النقطة لما دون الصفر، بينما تشهد مناطق أخرى من العالم في آسيا وأمريكا اللاتينية استقراراً سياسياً ونمواً اقتصادياً إلى حد كبير وبوتيرة ثابتة وصولاً إلى أهدافها؟

هل ما تشهده منطقتنا اليوم من توترات ونزاعات وحروب هو تنفيذ لمخططات رسمها المستعمر بعد أن رحل شكلياً، الذي لا تنقصه أساليب الحيل والدسائس وزرع الألغام بين الدول بعضها ضد بعض وبين فئات شعب الدولة الواحدة بدءاً من رسم الحدود السياسية التي أرادها المستعمر لهذه المنطقة وبطريقة لا تنسجم ولا تستقيم حتى مع الحدود الطبيعية والديموغرافية والتاريخية والجغرافية للمنطقة وأهلها الأصليين؟

إذا كان ما يجري للمنطقة من قلاقل واضطرابات منذ منتصف القرن الماضي، وهو تاريخ الرحيل المعلن للاستعمار، هو مخطط ومدروس للمنطقة منذ ذلك الزمن ليتم تفجير المنطقة بالتزامن مع نهاية المعاهدة التي تم بموجبها تقسيم المنطقة وشعوبها حسب المسطرة والقلم الفرنسي البريطاني الأوروبي، فكيف ولماذا يتحقق لهذا المستعمر ما يريد وفي المكان والتوقيت المحددين وكأن منطقتنا بلا سكان؟ لماذا لم يتم تغيير ما يمكن تغييره خلال فترة حكم الدولة الوطنية؟ ولماذا لم تتم إعادة صياغة وتشكيل المنطقة بعد رحيل الاستعمار من قبل أهل المنطقة الأصليين ووفقاً لمصالحهم؟ ولماذا لم تتطور علاقات دول منطقتنا البينية على غرار علاقات الدول في بعض مناطق العالم؟ وهل بوسع الدول بعد رحيل الاستعمار التغيير بعد تقرير المصير؟ لماذا أخفقت الدولة الوطنية في أن تتجاوز العرقيات والمذهبيات والطوائف والقوميات في سوريا وفي مختلف دول المنطقة إلى الدولة الوطنية العابرة لكل هذه المكونات دون أن تلغيها؟

وإذا كان المستعمر يخطط لمصالحه هو فقط دون اكتراث لحقوق ومصالح شعوب ودول منطقتنا الأصليين، وهو المتوقع من المستعمر، فما الذي جعل هذا التخطيط الاستعماري يتحقق في منطقتنا، رغم أن منطقتنا تملك مشروعاً حضارياً واقتصادياً إستراتيجياً أقوى وأمضى بكثير من المشروع الحالي، رغم التفوق العسكري للمشروع الغربي؟

هل استمرار الحرب على غزة والنزاعات في ليبيا والسودان وغيرهما مرتبط بتجهيز وتهيئة ما يسمى الشرق الأوسط الجديد لواحدة من محطاته المرتبطة بالمشروع الغربي؟ وهل توقف هذه الحروب والنزاعات مرتبط باكتمال وتدشين «الشرق الأوسط الجديد»؟ وهل سينتظر سكان منطقتنا الأصليين نسخة جديدة من الشرق الأوسط المصمم والمخطط أوروبياً وغربياً كل مئة سنة؟ أم أن شمس منطقتنا والعالم ستشرق قريباً من الصين، حيث تنعدم الثقافة الاستعمارية والصهيونية، وحيث يصبح اسم منطقتنا «الغرب الأوسط» الجديد وفقاً لبوصلة القوة العظمى القادمة من الشرق بدلاً من «الشرق الأوسط» المغيب عن هويته وحاضره ومستقبل أهله الأصليين وليس مستقبل سكانه الوهميين الذين جيء بهم من أوروبا الشرقية ومن إثيوبيا وغيرهما؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد