: آخر تحديث

في الفلبين.. بروفة مبكرة لانتخابات 2028 الرئاسية

1
1
1

من المعروف أن علاقة الرئيس الفلبيني «بونغ بونغ ماركوس» بنائبته «سارة دوتيرتي» ليست على ما يرام منذ أن أقصى الأول الثانية من عضوية مجلس الأمن القومي الذي يخطط لسياسات وعلاقات وتحالفات الفلبين الخارجية، ثم تدهورت علاقتهما واحتدت الخلافات بينهما أكثر فأكثر في أعقاب قرار ماركوس تسليم والد نائبته (الرئيس السابق رودريغو دوتيرتي) إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي لمحاكمته بتهة التورط في جرائم ضد الإنسانية إبان حملته الدموية على مافيات وعصابات المخدرات، التي استهل بها عهده (من 30 يونيو 2016 إلى 30 يونيو 2022)

إن خطوة ماركوس تلك، لئن قوبلت بالتأييد الواسع من أطراف دولية عديدة، ونظر إليها الخارج كعمل ايجابي نحو تحقيق العدالة، ولحظة فارقة في السياسة الفلبينية، فإنها قوبلت في الداخل الفلبيني، ولاسيما في المقاطعات الجنوبية التي ينحدر منها دوتيرتي، بالإستياء والتنديد. إذ رأى فيها فلبينيون كثر مساسًا باستقلالهم وسيادتهم وجرحًا قوميًا.
وكان من نتائج ذلك أن تدهورت شعبية ماركوس وانخفضت انخفاضًا حادًا من 42 إلى 25 بالمائة، مقابل ارتفاع شعبية وأسهم نائبته دوتيرتي من 52 إلى 60 بالمائة.


ومع قرب توجه الفلبينيين في 12 مايو الجاري نحو صناديق الاقتراع في انتخابات التجديد النصفي للبرلمان، تحتد المنافسة بين الرئيس ونائبته على خلفية خلافاتهما وعلاقاتهما المتأزمة، خصوصًا وأن سيطرة انصار دوتيرتي على مقاعد البرلمان، وهو أمر محتمل، ستحول الرئيس ماركوس إلى بطة عرجاء خلال السنوات الثلاث المتبقية من رئاسته.


والحقيقة أن لتدهور شعبية ماركوس عند الفلبينيين أسبابًا أخرى. فالرجل الذي حلّ في قصر مالاقانينع الرئاسي في عام 2022 بدعم من سلفه، وتحت يافطة استعادة الألق الاقتصادي وأجواء الضبط والربط الذي ميز عهد والده الديكتاتور «فرديناند ماركوس» في حقبة ما قبل عام 1986، سرعان ما اكتشف أن مشاكل البلاد أعقد مما تخيل، وبالتالي فشل في تحقيق أي منجز يعتد به، بل شهدت البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية من عهده مزيدًا من الأزمات المالية والمعيشية التي أثقلت كاهل المواطن العادي في صورة ارتفاعات متتالية في أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية مع صعود في معدلات البطالة. ومن ناحية أخرى، فشلت خطته ووعوده للجماهير ببدء «العصر الذهبي للزراعة» في البلاد، على الرغم من اسناد حقيبة الزراعة إلى نفسه، إذ لم ينجح في تحقيق الأمن الغذائي الموعود، ولم يتمكن من كبح جماح كارتلات التهريب والإحتكار.


علاوة على ما سبق، هناك عامل آخر تسبب في فشل ماركوس، وبالتالي تدهور شعبيته، وهو عدم التآلف والتجانس داخل حكومته من ناحية، واندلاع الفوضى والخلافات ضمن فريق العمل المحيط به. بل أن الخلافات امتدت إلى عائلته، بدليل أن شقيقته النائبة «إيمي ماركوس» نأت بنفسها عن سياساته، ولاسيما تلك المتعلقة بتحالفه العلني مع واشنطن ضد بكين.


وبعيدًا عن الأقاويل والمزاعم التي تحدثت عن احتمال تدخل الصين في انتخابات التجديد النصفي للبرلمان، لتفويز معكسر دوتيرتي وإلحاق الهزيمة بمعسكر ماركوس، من منطلق أن الأول مؤيد لبكين والثاني منحاز لواشنطن، فإن الأرضية باتت ممهدة لنائبة الرئيس «سارة دوتيرتي»، ليس لزيادة حصتها البرلمانية اليوم فحسب، وانما للصعود بعد ثلاث سنوات إلى رئاسة الفلبين كوريثة سياسية لوالدها، وكرمز من رموز الدفاع عن الكرامة والسيادة الوطنية، خصوصًا وقد صارت لها مكانة عزيزة لدى الرأي العام الفلبيني الذي لا يختلف عن مثيله في دول جنوب وجنوب شرق آسيا، لجهة التعاطف القوي والتأييد الكاسح مع أي وريثة سياسية لأب أو زوج رحل مظلومًا أو قتل غدرًا، على نحو ما حدث مع الرئيسة الفلبينية الأسبق «كورازن أكينو»، و«ميغاواتي سوكارنوبوتري» في أندونيسيا، و«بي نظير بوتو» في باكستان، و«سيريمافو باندرانايكا» في سريلانكا.


ولعل ما يسعد السيدة دوتيرتي أكثر أن أعدادًا متزايدة من الناخبين في المعاقل التي عرفت تاريخيًا بتأييدها لأسرة ماركوس (مثل لوكوس ولوزون) بدأت تنحاز بهدوء إلى جانب معسكر دوتيرتي، ومنهم شخصيات وازنة كالحكام ورؤساء البلديات والمشرعين، ممن يرون أن نائبة الرئيس تمثل المستقبل وتملك مصداقية أكثر من الرئيس.


ونخالة القول أن ما يجري اليوم من تنافس بين الطرفين، ليس سوى بروفة مبكرة لما سيحدث في الانتخابات الرئاسية القادمة سنة 2028، وأن خلافاتهما لم تعد سياسية وعائلية فقط وإنما ذات أبعاد جهوية وأيديولوجية وشعبوية ووجودية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد