حسين شبكشي
خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى الخليج العربي كان الخبر الأبرز الذي احتل العناوين هو رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، والتقاء الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي في السعودية، وما كان ذلك ليحدث إلا بفضل الله ثم بالرعاية السعودية الواضحة والكبيرة من لدن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان شخصياً، الذي قام بمتابعة الموضوع مع الرئيس الأمريكي بنفسه، وبذل جهداً لا يمكن الإقلال منه ولا تجاهله. وهو ما صرح به الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بنفسه حينما نسب الفضل في رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا إلى ما قام به ولي العهد السعودي من شرح وإقناع وتفسير لأهمية هذه المسألة لمنح الشعب السوري فرصة جديدة يستحقها لبناء دولتهم من ضمن المجتمع الدولي بكرامة.
والحقيقة أن ما حدث لا يمكن أن يتم وصفه إلا بالمفاجأة المدوية والانتصار الهائل للدبلوماسية السعودية. لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع رفع العقوبات بهذه السهولة وبهذه السرعة. ولكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يفكر في الملف السوري بشكل إستراتيجي وعميق.
هناك قناعة تامة بأن الدعم السعودي، سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، لسوريا سيكون على أعلى المستويات وبشكل غير مسبوق حتى تعبر إلى بر الأمان ويتم البناء بوتيرة إيجابية أساسها الاستقرار والأمن.
سوريا كانت المنطقة الرخوة وبوابة التدخل الأجنبي إلى باقي دول المنطقة، وقام منها بدعم مليشياته وسياساته ومخدراته. وهذا لن يسمح بحدوثه مرة أخرى. خروج سوريا عن انتمائها العربي هو خط أحمر لن يكون ممكناً انتظار حدوثه مجدداً والبقاء على مقاعد المتفرجين ومتابعة التدهور المتلاحق.
منذ سقوط نظام الأسد في سوريا والحراك الدبلوماسي السعودي لم يتوقف على كافة الساحات والأصعدة لدعم النظام الجديد، مباحثات متواصلة مع زعماء أوروبيين كان من نتائجها استقبال الرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة الفرنسية باريس وتحديداً في قصر الاليزيه من قبل الرئيس الفرنسي ماكرون شخصياً، بالإضافة إلى تبني السعودية الملف السوري مع البنك الدولي لتأمين عودة سوريا كعضو كامل وطبيعي إلى المجتمع المالي والاقتصادي الدولي.
لا يوجد محفل أو منتدى أو مؤتمر أو اجتماع دولي تحضره السعودية إلا ويكون دعم الحكومة السورية أحد المواضيع الأساسية المطروحة من قبلها. الفرحة التلقائية والعفوية والطبيعية التي ظهرت على ملامح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهو يستمع إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب معلناً قراره برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا كانت أيضاً اختصاراً لمشاعر الشعب السعودي نفسه الذي تعاطف وساند ودعم موقف الشعب السوري ورغبته في رفع المعاناة عن بلاده والنهوض بها بعد الآلام والمآسي الهائلة.
رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا هو خبر مهم ومبهج وانتصار متكامل للجهود السعودية المتعلقة بدعم الدولة في سوريا، فهناك قناعة عميقة بأن وجود سوريا قوية ومستقرة ومنفتحة اقتصادياً ستكون له آثار إيجابية هائلة؛ أولها على صعيد الملف اللبناني الذي دائماً ما يتعقد بوجود الاضطراب السياسي في سوريا. لعل أهم الأثر الفوري لرفع العقوبات الأمريكية عن سوريا هو الذي حصل مع قيمة الليرة السورية التي ارتفعت بما يقارب الخمسين في المائة خلال 48 ساعة منذ إعلان إزالة العقوبات، وكان لذلك صدى إيجابي هائل على السوريين في المهجر حول العالم الذين بدؤوا في شد الرحال للعودة الاقتصادية إلى بلادهم، وهذا تحول كبير. مبروك الانتصار الدبلوماسي السعودي الذي أداره باقتدار ولي العهد حفظه الله.