: آخر تحديث

كاتب عصر الاكتئاب

5
5
5

محمد ناصر العطوان

مات هيغ، هو كاتب صحافي إنكليزي بارز في تجلي عصر الاكتئاب الذي ظهر في الستينات، حيث ولد في عام 1975م وقد تبلورت مشاهد الفردية في العالم وبداية تمددها، ليتعرض في العشرينات من عمره إلى أزمة نفسية حادة تمثلت في نوبة اكتئاب شديدة جعلته يشعر بأنه لا يمكنه الاستمرار، كانت هذه التجربة قاسية ومؤلمة، لكنها شكلت نقطة تحول في حياته.

استخدم هيغ، هذه التجربة كوسيلة للإلهام والكتابة، حيث وثق مشاعره ومعاناته في كتابه «أسباب للبقاء حياً».

لم أكن أعرف هذا الرجل الإنكليزي حتى وقع تحت يدي كتاب مترجم له بالعربية تحت عنوان «الراحة».

في كتابه «الراحة»، يقدم هيغ، تأملات عميقة حول كيفية التعامل مع الأوقات الصعبة، ينقل هيغ، للقارئ فكرة مفادها أن «الأيام السيئة لا تدوم»، وأن المشاعر تتغير مثل الطقس، حيث تبدو الغيوم ثابتة ولكنها تتحرك دائماً، يؤكد هيغ أنه عندما يصل الشخص إلى أسوأ نقطة في تجربته، فإن كل ما يأتي بعد ذلك سيكون أفضل.

يحاول الكاتب الإنكليزي أن يصل بالقارئ إلى المشهد النهائي وليس الإسكربت المكتوب بالتفاصيل، ولذلك فهو في نص آخر، يشجع القراء على البقاء من أجل «الشخص الذي ستكونه»، إنه يؤكد أن الإنسان أكبر من مجرد يوم سيئ أو أسبوع أو شهر أو سنة أو عقد، وأن المستقبل مليء بالاحتمالات.

ورغم اختلافي مع نظارة هيغ التي ترى الصورة النهائية، وتهمل الندوب التي تركتها التفاصيل، أو تهمل ما يتحطم وينكسر ويتبدل ويتغير طوال الطريق، أو تتحاشى النظر في المطلق والمجرد والمتجاوز عن الذات الإنسانية... إلا أن مات هيغ، كاتب مميز وأعماله تستحق الاهتمام!

أغلب كتبه تدور حول الأفكار نفسها ولكنها تتطور باستمرار، وهذا شيء جيد، أسلوبه بسيط ومؤثر، ويستخدم الفكاهة والقصص الشخصية من أجل تثبيت أفكاره، كتاباته فيها أمل وتشجع على التعاطف مع النفس والآخرين.

يتكلم عن الضغوط التي نواجهها في الحياة الحديثة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلتنا في حالة مقارنة بالآخرين لنشعر أننا لسنا جيدين بما يكفي، وفي عمق هذه الوسائل نحن متصلون بالعالم طوال الوقت مما يزيد الضغط، أما كثرة المعلومات التي تجعلنا مشتتين... فحدث ولا حرج!

لا يقدم الكاتب الإنكليزي الأبرز في معالجة أعراض عصر الاكتئاب سوى وصفات سريعة مثل الوجبات السريعة والتركيز على اللحظة الحالية وعدم التفكير في الماضي أو المستقبل...

وتحديد وقت لاستخدام التكنولوجيا، وعدم السماح لها بالسيطرة على حياتنا، وممارسة الأنشطة التي تجعلنا في سعادة، مثل القراءة، المشي في الطبيعة، أو قضاء الوقت مع الأحباب...

عزيزي القارئ، يخبرنا القرآن الكريم أن أحد أهم اسباب الاكتئاب هو الشرك بالله، والذنوب والمعاصي، والإعراض عن ذكر الله... الإنسان غير القادر على تجاوز ذاته سوف يتخذ هواه مرشداً ويُضله الله على علم... ويقول الله سبحانه وتعالى «قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ» (البقرة: 144).. فكلما ارتضينا قِبلة غير تلك التي رسمها لنا الله، دخلنا في عصور من الاكتئاب... ودخلنا في متاهات كُتاب يملكون التشخيص ولا يملكون الدواء... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد