عبد الله سليمان الطليان
يوجد هناك العديد من روايات الخيال العلمي التي تحول بعض منها إلى أفلام لقيت إقبالاً وتفاعلاً واسعاً لدى الجمهور وانتشرت على مستوى العالم، طرحت الكثير من الآراء حولها، سوف نأخذ رأي عالم الفضاء والفلك الأمريكي (كارل إدوارد ساجان) الذي حقق نجاحاً في الكتابة عن الفلك والفيزياء الفلكية، اشتهر بتقديم مسلسل تلفزيوني شهير بعنوان (الكون) عام 1980 شاهده ما يزيد على 600 مليون نسمة في أكثر من 60 دولة، هذا الرأي يعتمد على وجهة نظر شخصية تركز على موضوع الفضاء والفلك.
يقول كارل: كنت في العاشرة من عمري وبالصدفة المحضة وقعت على مجلة تسمى الخيال العلمي المذهل في حانوت حلويات قريب. وبنظرة على الغلاف وتصفح سريع داخلها أيقنت أني عثرت على ما أبتغيه، وجلست على بعد خطوات من الحانوت وفتحتها بصورة عشوائية وقرأت أول قصة قصيرة لي من الخيال العلمي الحديث بعنوان (بيت يستطيع أن يصلحها (Pete Can Fix It) من تأليف ريموند جونز، وهي قصة خفيفة لتمضية وقت السفر عن أهوال ما بعد الحرب النووية، وكنت على دراية بالقنبلة الذرية وأذكر أن صديقاً متحمساً شرح لي أنها مكونة من ذرات، ولكنها كانت أول ما رأيت عما يحمله تطوير الأسلحة الذرية من مضامين اجتماعية، ودفعتني إلى التفكير. فبيت، وهو ميكانيكي سيارات، ثبَّت جهازاً في سياراته بحيث يستطيع المارة أن يقوموا برحلات حذرة قصيرة إلى مجاهل المستقبل - ماذا كان ذلك الجهاز؟ وكيف كان يصنع؟ وكيف تستطيع أن تسافر إلى المستقبل ثم تعود مرة أخرى؟ فإن كان ريموند جونز عالماً بذلك فإنه لم يخبر أحداً.
ووجدت نفسى مدمناً. ففي كل شهر كنت أنتظر بتلهف وصول المجلة، وقرأت لجول فيرن وهـ. ج. ولز، وقرأت من الغلاف إلى الغلاف أول اثنتين من مختارات أدبيات الخيال العلمي استطعت الحصول عليها، وصنعت جداول لتقييم ما أقرؤه من روايات ونال كثير من الروايات درجات عالية في نوعية الأسئلة المثيرة للاهتمام التي طرحتها ودرجات منخفضة في الإجابات التي قدمتها لتلك الأسئلة.
ولا زال جزء منى عمره عشر سنوات، ولكني بصفة عامة كبرت في السن. وتحسنت مقدراتي النقدية وربما أيضاً تذوقي الأدبي. وعندما أعدت قراءة رواية رون مبارد (النهاية لم تحن بعد The End Is Not Yet) التي قرأتها أول مرة وأنا في الرابعة عشرة، تعجبت كثيراً من مدى سوئها بحيث ظننت جدياً أن هناك روايتين بنفس الاسم لنفس المؤلف وواحدة أردأ من الأخرى بكثير. توقفت عن التقبُّل الساذج لما أقرأ مثلما كنت في الماضي.
وفي رواية لارى نيفن (النجم النيوتروني Neutron Star) تكمن عقدة الرواية في قوى المد الجارف بسبب مجال جاذبية قوى. غير أننا مطالبون بأن نصدق بأنه سيحدث بعد مئات أو آلاف السنين وأثناء رحلة فضائية عارضة أن تلك القوى قد نسيت. كما أننا مطالبون بأن نصدق بأن أول استكشاف انجم نيوتروني حدث بواسطة مركبة فضاء يقودها بشر وليس مركبة غير مأهولة بالبشر، ففي رواية تدور حول أفكار لا بد أن تعمل الأفكار عملها.
ومنذ سنوات بعيدة خامرني نفس الشعور بالقلق عندما قرأت وصف جول فيرن لانعدام الوزن أثناء رحلة إلى القمر بأنه يحدث فقط في نقطة من الفضاء تتعادل عندها قوى جاذبية الأرض مع جانبية القمر وتلغى كل منها الأخرى، وأيضاً عندما قرأت عن اختراع ولز لمعدن مضاد للجاذبية أطلق عليه اسم كافوريت فكيف يمكن لعرق من الكافوريت أن يكون لا زال موجوداً على الأرض؟ أليس المنطقي أن يكون قد قذف نفسه إلى الفضاء منذ زمن بعيد؟
وفى فيلم سينمائي الخيال العلمي من تأليف دوجلاس ترميل هو (العدو الصامت Silent Running) الذي تميز بالبراعة التقنية، تحتضر الأشجار في نظام بيئي فضائي مغلق. وبعد أسابيع من الدراسة المضنية والغوص في أضابير مراجع في علم النبات وجد الحل: فقد تبين أن النباتات تحتاج لضوء الشمس. وتمكنت شخصيات ترمبل من بناء مدن في الفضاء بين الكواكب ولكنها نسيت قانون مقلوب المربع. ولقد كنت على استعداد لأن أتغاضى عن تصوير حلقات زحل بأنها غازات ملونة بالوان الباستيل ولكن ليس هذا النسيان القانون أساسي من قوانين الكون.
وواجهت نفس المشاكل مع حلقات رحلة الكواكب (Star Trek) التي أعلم أن لها شعبية عريضة وينصحني بعض الأصدقاء من نوى التفكير الرصين بأن أخذها بمعناها المجازي لا الحرفي. غير أني عندما أجد أن رواد فضاء أرضيين يحطون الرحال على كوكب على بعد سحيق ويجدون أن البشر هناك منغمسون في خضم صراع بين قوتين نوويتين وتطلقان على أنفسهما اسمى (اليانجزء) (والكومز)، أو أي مشابه صوتي لتلك الأسماء فإن التوقف عن عدم التصديق يتهاوى وينهار. وأجد أن الخيال العلمي قد أدى بي إلى العلم. وأجد أن العلم أكثر دقة وتعقيداً وإثارة للرعب أكثر من كثير من الخيال العلمي.
هناك قصص بنيت بإحكام وغنية بالتفاصيل الجميلة عن مجتمع غير مألوف بحيث تستغرقني دون أن تترك لي فرصة ممارسة النقد. وتشمل تلك القصص القصة التي كتبها روبرت هايتلين بعنوان (باب الصيف) وقصص الفريد بستر (النجوم هي غايتي) و(الرجل المدمر)». وقصة جاك فيني (مراراً وتكراراً).. و(الكثيب) لفرانك هربرت، و(أنشودة ليبوفيتز) لوالتر ميلر. وتستطيع التأمل في أفكار تلك الكتب فانفراد هاينلين بالحديث عن جدوى الإنسان الآلي المتخصص في الأعمال المنزلية واستخداماته الاجتماعية قد صمدت على مر السنين. وفي رأيي أن ما ورد في رواية (الكثيب) عن علم البيئة الأرضي خلال حديث عن بيئة خارج الكواكب ينم عن نفاذ البصيرة وله مدلول اجتماعي هام. وتقدم رواية (الرجل الذي انكمش) لهاري هام تخمينات كونية مثيرة عادت إلى الحياة بجدية هذه الأيام، وهي فكرة ارتداد كوني لا نهائي فيه تشكل جسيماتنا الأولية كوناً على مستوى أقل.
وهناك نوع نادر من قصص الخيال العلمي يجمع ما بين أحاسيس إنسانية عميقة وموضوع تقليدي من مواضيع الخيال العلمي، مثل قصة الجيس بدرى (القمر المتشرد) وكثير من أعمال راى براد بور وثيودور سترجون على شاكلة قصة الأخير (إلى هنا والحامل)، وهى تصوير مذهل لمرض الفصام كما يرى من الداخل وأيضاً المقدمة الاستفزازية التي كتبها أريوستو لروايته (أورلاندو فيريوزو).
هناك أيضاً رواية بارعة من روايات الخيال العلمي كتبها الفلكي روبرت ريتشاردسون عن الخلق المستمر للأشعة الكونية، وأيضاً قصة إيزاك أسيعوف حيث يهمس رجل التي توفر دراسة مثيرة عن الضغط العصبي والإحساس بالعزلة الذي يصيب بعضاً من ألمع العلماء التنظيريين.
ومن أهم فوائد الخيال العلمي أنه يقدم نتفاً وملاحظات وتعبيرات علمية غير معروفة أو غير متاحة للقارئ، فبالنسبة لكثير من القراء لعل قصة هاينلاين وبني بيتاً مخادعاً، كانت أول معرفة مفهومة لهم بالهندسة الرباعية الأبعاد. وفي الحق قدم واحد من أعمال الخيال العلمي آخر محاولة رياضية قام بها أينشتاين في سبيل التوصل إلى نظرية تطبيقية موحدة ورواية أخرى قدمت معادلة عامة في مجال علم الوراثة عند الشعوب.
تعطينا رواية «حتى لا يحل الظلام» من تأليف برا جدى كامب تقديماً ممتازاً لروما وقت الغزو القوطي، أما مسلسل (أساس) لأسيموف فيقدم ملخصاً وافياً لبعض آليات الإمبراطورية الرومانية المنغمسة في الملذات. وتتيح القصص الخاصة برحلات الزمان، مثل الإبداعات الثلاثة الرائعة لها ينلاين (أيها الأموات) (وبأربطة حذائه)، (والباب إلى الصيف). تتيح للقارئ فرصة تأمل طبيعة الزمن وسببيته واتجاهاته.
وهناك قيمة كبيرة أخرى للخيال العلمي الحديث تكمن في بعض أنماط الفن التي تبرزها بصورة مشوشة تبين ما يمكن أن يكون عليه سطح كوكب آخر هي أمر، ولكن إذا تأملنا صورة أخرى رسمها تشسلى بونستل لنفس المنظر وهو في أوج عنفوان نشاطه نجدها أمراً آخر. ويعطي أبدع ما أنتجه فنانون معاصرون من أمثال دون ديفيز وجون لومبرج وريك سترنباك وروبرت ماكول، إحساساً بالعجائب الفلكية، وتلمح في أشعار ديان أكرمان ملامح شعر فلكي ناضج ومتماش بقوة مع الأفكار الرئيسية للخيال العلمي.
اليوم نجد أن أفكار الخيال العلمي منتشرة انتشاراً واسعاً تحت مظاهر مختلفة، فنجد كتاباً للخيال العلمي مثل إيزاك أسيموف وأرثر كلارك يقدمون لنا ملخصات رائعة وقوية لمناحي كثيرة من العلم والمجتمع. ويتيح الخيال العلمي لبعض العلماء المعاصرين فرصة التعرف على جماهير عريضة. فعلى سبيل المثال في رواية (المستمع) لجيمس جن المحفزة للتفكير العميق.
وأسس كاتب خيال علمي هو رون مبارد عقيدة ناجحة جديدة أطلق عليها اسم الساينتولوجيا أو العلمولوجيا، واخترعت، حسب بعض الروايات، في ليلة نتيجة رهان أنه يستطيع أن يفعل ما فعله فرويد ويخترع عقيدة جديدة ويتكسب منها. واليوم يتركز الخيال العلمي التقليدي في موضوعين هما الأجسام الطائرة المجهولة الهوية وزيارات أناس من الفضاء في الماضي رغم أني لا أجد صعوبة في استنتاج أن ستانلي واينباوم في روايته (وادى الأحلام) كان أحسن وأقدم من إريك فون دانيكن.
ونجح دى ويت ميلر في قصة (داخل الهرم)، في أن يسبق كلاً من فون دانيكن وفليكوفسكي، وأن يقترح فرضية أكثر منطقية حول الأصل غير الأرضي المزعوم للأهرامات أكثر مما يمكن العثور عليه في كل الكتابات عن رواد فضاء أقدمين وعلم الأهرامات، وفى رواية (نبيذ الحالمين)، لجون مكدونالد (وهو كاتب خيال علمي تحول إلى واحد من أكثر الكتاب المعاصرين للقصص البوليسية إثارة) نجد الجملة التالية: وهناك آثار في أساطير الأرض عن سفن عظيمة وعربات تعبر السماء، وتحولت قصة وداعاً للسيدة لهاري بايتس إلى فيلم سينمائي بعنوان (يوم توقفت الأرض عن الدوران) (الذي تجاهل السمة الرئيسية العقدة الرواية وهي أن الإنسان الآلي هو الذي كان يقود المركبة الفضائية لا البشر). ويعتقد بعض المراقبين الواعين أن القصة، بتصويرها طبقاً طائراً ينزل في سماء واشنطن، قد لعبت دوراً في (فضيحة) الأجسام الطائرة المجهولة الهوية في واشنطن سنة 1952، والتي أعقبت مباشرة ظهور الفيلم. واليوم نجد أنه لا يمكننا التفريق بين العديد من الروايات الشهيرة من نوع الجاسوسية، في ضحالة شخصياتها والتحايل في عقدتها، وبين الخيال العلمي الضعيف الذي كان يصدر في الثلاثينات والأربعينات.
التداخل بين العلم والخيال العلمي قد يتمخض في بعض الأحيان عن نتائج غريبة. فليس من الواضح دائماً إن كانت الحياة تقلد الفن أو أن العكس هو الصحيح. فعلى سبيل المثال كتب كيرت فونجوت رواية رائعة بها الكثير من المعلومات وهي (صفافير تيتان)، وفيها يفترض وجود بيئة غير معادية تماماً في تيتان أكبر أقمار الكوكب زحل. ولما حدث في السنوات القليلة الأخيرة أن بعض علماء الكواكب، وأنا من بينهم قدموا الدليل على أن تيتان له غلاف جوي كثيف وربما درجة حرارة أعلى مما كان متوقعاً، علق الكثيرون لي على تنبؤات كيرت فونجوت. غير أن فونجوت كان يحمل شهادة في الفيزياء من جامعة كورنيل ومن البديهي أن يكون عالماً بآخر مكتشفات علم الفلك وكثير من أحسن كتاب الخيال العلمي لهم خلفية علمية أو هندسية مثل بول أندرسن وإيزاك أسيموف وأرثر كلارك وروبرت ها ينلاين. وفي سنة 1944 اكتشف غلاف جوي من الميثان في تيتان، وهو أول قمر في المجموعة الشمسية يعرف بأن له غلافاً جوياً. وفي هذا الصدد، كما في أحوال شبيهة أخرى فإن الفن يقلد الحياة.
وتكمن المشكلة في أن فهمنا للكواكب الأخرى قد تغير بصورة أسرع عن الصورة التي يقدمها الخيال العلمي عنها مثل منطقة من الشفق العاصف على عطارد الذي يدور دورات تزامنية كوكب الزهرة به مستنقعات وغابات المريخ غاص بالقنوات، بينما بنيت كل الأجهزة التي ورد ذكرها في قصص الخيال العلمي على انطباعات خاطئة لفلكيي الكواكب المبكرين وانتقلت كل الأفكار الخاطئة بأمانة إلى قصص الخيال العلمي، والتي كان يقرؤها العديد من الصغار الذين صاروا فيما بعد الجيل التالي من فلكيي الكواكب، وهكذا ففي الوقت الذي استحوذوا فيه على اهتمامات الصغار فإنهم صعبوا من مهمة تصحيح المفاهيم الخاطئة للكبار. غير أنه لما كانت معارفنا عن الكواكب قد تغيرت فإن بيئات قصص الخيال العلمي المقابلة قد تغيرت بدورها ، وإنه لأمر شديد الندرة أن نجد قصصاً للخيال العلمي مكتوبة اليوم تتحدث عن مزارع للطحالب على سطح الزهرة، وبهذه المناسبة نلاحظ أن واضعي أساطير اللقاءات مع الأجسام الطائرة المجهولة الهوية يتغيرون بطريقة أشد بطناً، ولا نزال نجد روايات عن أطباق طائرة قادمة من الزهرة التي تسكنها كائنات بشرية وسيمة ويرتدون أردية بيضاء طويلة ويعيشون فيما يشبه جنات عدن وتمنحنا درجة حرارة الزهرة البالغة 900 درجة فهرنهايت فرصة لكبح جماح وتسفيه مثل تلك الروايات. وبالمثل فإن فكرة انجراف في الفضاء هي فكرة قديمة وبديلة ولكنها لم تنبع من الخيال العلمي وإنما من نظرية النسبية العامة لأينشتاين.
ويتجلى الاهتمام الكبير للصغار بالخيال العلمي في الأفلام السينمائية وبرامج التليفزيون وكتب مسلسلات الأطفال وفى مطالبتهم بتدريس مقررات دراسية في المدارس الثانوية والكليات الجامعية. وخبرتي تدل على أن المقررات الدراسية إما أن تكون تجربة تعليمية جيدة أو كارثة، ويعتمد ذلك على كيفية تطبيقها. فالمقررات التي يختارها الطلبة بأنفسهم لا تعطي فرصة للطلبة لكى يقرأوا ما لم يقرأوه من قبل. والمقررات التي لا يبذل فيها جهد لتوسيع حبكة رواية الخيال العلمي بحيث تشمل دراسة العلم المناسب تفقد فرصة تعليمية كبيرة. ولكن إذا خطط بعناية المقررات الخيال العلمي التي يدخل فيها العلم أو السياسة وتصبح مكوناً أساسياً فإنها، في رأيي تكون مفيدة كمقرر دراسي.
وتكمن الأهمية الإنسانية للخيال العلمي في أنها قد تتحول إلى تجربة عن المستقبل وكاستكشاف المستقبل بديل وكمحاولات لتقليل حجم الصدمة في المستقبل. وتلك في بعض أسباب الجاذبية الكبيرة التي يتمتع بها الخيال العلمي بين الشباب فهم الذين سيعيشون في المستقبل. وإني لعلى يقين من أنه لا يوجد مجتمع واحد على ظهر الأرض قد كيَّف نفسه لما ستكون عليه الأرض بعد مائة أو مائتي سنة من الآن هذا إذا كنا قد بلغنا من الحكمة أو من حسن الحظ ما يمكننا من العيش كل تلك المدة. ونحن في أشد الحاجة إلى استكشاف مستقبل بديل سواء من الناحية التجاربية أو المفاهيمية.
وكانت روايات وقصص إريك فرانك رسل تسير في هذا الاتجاه ففيها تمكنا من تصور نظام اقتصادي بديل أو الكفاءة الكبيرة لحركة مقاومة سلبية لقوة احتلال، وفي قصص الخيال العلمي الحديثة يمكن أن نجد مقترحات بناءة للقيام بثورة في مجتمع مبرمج تكنولوجياً، مثلما ما نجد في رواية (القمر عشيقة قاسية) لها ينلاين.
وعندما نلتقى مع تلك الأفكار في الصغر فإنها سوف تؤثر في السلوكيات في الكبر، ولقد اتجه كثير من العلماء المنغمسين في استكشاف النظام الشمسي (ومن بينهم أنا إلى هذا الاتجاه بواسطة الخيال العلمي وكون أن بعضاً من ذلك الخيال العلمي لم يكن على مستوى عال هو أمر غير ذي بال. فالأطفال في سن العاشرة لا يقرأون المجلات العلمية.
وأنا لا أعلم إن كان السفر في الزمان إلى الماضي أمراً ممكناً. فالمشاكل التي يكتنفها تجعلني شديد التشاؤم. غير أن هناك من يفكر في هذا الأمر. ويظهر في المعادلات المبنية على نظرية النسبية العامة ما يسمى الطرق المغلقة الشبيهة بالزمن، وهي طرق في الفضاء الزمان تسمح برحلات غير مقيدة، وهناك ادعاء حديث وربما يكون مخطئاً، أن تلك الطرق المغلقة الشبيهة بالزمان تظهر بجوار أسطوانات تدور بسرعات كبيرة. وإني لأتساءل إلى أي مدى تأثر دعاة النظرية النسبية العامة الذين يعملون في تلك المشاكل بالخيال العلمي، وأيضاً قد تلعب مواجهات الخيال العلمي مع حضارات بديلة دوراً مهماً في تحقيق تغيرات اجتماعية رئيسية.
وعلى مدى تاريخ العالم لم يأت من قبل وقت حدث فيه مثل هذا العدد الكبير من التغيرات المؤثرة، والتكيف مع التغيرات والسعي الدؤوب بحثاً عن مستقبل بديل في مفاتيح بقاء الحضارة وربما بقاء الجنس البشرى وجيلنا هو أول جيل نما وترعرع مع أفكار الخيال العلمي، وأعرف عدداً من الصغار سوف يهتمون بداهة إذا تلقينا رسالة من حضارة فضائية ولكن دون أن تصيبهم الدهشة لذلك، فهم سيكونون قد تكيفوا مع ذلك المستقبل. وأظن أنه ليس من المبالغة في شيء أن نقول إننا لو تمكنا من البقاء سيكون الخيال العلمي قد قام بدور مهم ومساهمة حيوية في استمرار وتطور حضارتنا.