هل ستظل دار لقمان مناهج العربية على حالها، وسط القفزات العملاقة في الذكاء الاصطناعي؟ لن يُخطئ العاقل الفطن فيسأل: وما دخل أبي الأسود الدؤلي والفرّاء وابن جنّي، في الخوارزميات والروبوتات؟ إلا أن يتسلّوا في العالم العلويّ بتقرير ما إذا كان الروبوت على وزن فُعْلول مثل صنبور أم على وزن فَعْلول مثل كشكول. حذار الاعتراض قائلاً: وهل يفعل القوم ذلك هنالك؟ حينئذ تكون قد نسيتَ المشهد الطريف في «رسالة الغفران» لأبي العلاء، والدعابة الفاقعة عن الذين يجلسون على السندس وهم لا يعرفون إن كان على وزن فُعْلن أم فُنْعل.
القضية الحرجة اليوم في أنظمة التعليم العربية، هي أن القضايا الحرجة ليست في وارد البحث العلمي الجادّ. هل يمكن أن تبلغ الآمال بالمرء حد تصوّر تشكيل مجلس تربوي أكاديمي عربي أعلى، يصيح الحاجب عند افتتاح جلسته، على طريقة «محكمة»: القضية، هي أننا في وضع لا سابق له في تاريخ البشرية. أمامنا قواعد العربية، التي لم يطرأ تطوير جذريّ جادّ على تدريسها، طوال اثني عشر قرناً، في الأقل، في المقابل نواجه آلات ذكيّة، وُلدت بالأمس القريب، وفي كل يوم، في شهر، في سنة، تفاجئنا بقدرة خارقة على التعلّم.
من سخريات الزمان أنها أبطلت إحدى أسطع وأقطع المقولات: «أهمّ ما يميّز الإنسان عن سائر المخلوقات: القدرة على التعلم والإحساس بالزمن». أمّا القدرة على التعلّم، «فلا تحاول منافسة «شات جي بي تي» أو «ديبسيك». يقيناً، لم يدخل حاسوب الكم المسرح بعدُ. وأمّا الإحساس بالزمن، فالحساب الآن بلغ مستوى «بيكو/ثانية»، أي الجزء من مليون مليون جزء من الثانية. واحد من التريليون من الثانية.
ثم هل أغلق اللغويون والتربويون باب الاجتهاد في تطوير القواعد وتبسيطها؟ مَن سدّ أبواب الابتكار وآفاق الإبداع في أساليب تدريس لغتنا؟ أمام هذا الإفلاس التبسيطي التطويري، لا يظل لنا غير أمنية العاجز: ليت تاريخ العربية لم يعرف نحاةً ولغويّين، ليت الناس ظلوا مثل ما كانوا قبل النحو والصرف والبلاغة، فشعراء الجاهلية لم يكونوا في حاجة إلى الفراهيدي ولا إلى سيبويه وأبي على الفارسي وعبدالقاهر الجرجاني. أو ليت معجزةً تختصر ما بيننا وبين الذكاء الاصطناعي، فيقدر العربي على التحدث والكتابة بمئة لغة، من دون لحن، لكن بنغم، والترجمة بينها بانسيابية ورشاقة، كأنه يتزلج على الثلوج.
لزوم ما يلزم: النتيجة السياسية: حذار اللعب بنيران الهوية، فإن مرتع العواقب وخيم.