سهوب بغدادي
«مع نفسك» أو «مع نفسي»، تعد من التعبيرات الدارجة والعامية في وقتنا الحالي، فتتعدد استخداماتها ودلالاتها إلا أنها واضحة وجلية لأغلب من تقال له، فترد للرد على المزاح الثقيل بعض الشيء، أو للتعبير عن الامتعاض وعدم الاتفاق، وغيرها، فيما ترتبط على الأغلب بمفاهيم سلبية كالوحدة والعزلة عن الجماعة والتهكم والتجاهل، وكأن معية النفس أضحت أمرًا مؤلمًا! بالتأكيد، إنّ وضعها في السياقات الآنف ذكرها جعل منها سلبية الانعكاسات، إلا أنّ التفكر قليلًا في معناها ومدلولاتها قد يغير تلك المفاهيم المرتبطة بها، فأكثر الكتاب والأدباء والشعراء وأهل الفن يكونون بمفردهم حين تكوين الفكرة وإخراجها للعالم، كما أنّ هناك فوائد أخرى لذلك الأمر، كالتفكر في خلق الله والاسترخاء أو ما يطلق عليه حديثًا جلسات التأمل.
اعلم أنّ أصعب شخص قد تجلس برفقته هو أنت، إلا أنك في حال تعرفت وتنافرت وتعاركت ثم تصالحت فتآلفت مع نفسك ستصبح أعز أنيس لها، في الوقت الذي يتجنب فيه العديد من الأشخاص الذهاب إلى المطعم أو المقهى أو المتحف أو السينما بمفردهم، مخافةً من نظرات الشفقة من الآخرين أو الأدهى والأمر خوفًا من براثن النفس الدامية، التي تبث رسائل محزنة أو مشككة عن الماضي والمستقبل واللحظة الآنية، كلنا هكذا، تعترضنا نفوسنا أحيانًا في بعض الأوقات والمواقف، لكن يبقى الشخص سيد الموقف والوقت، بغض النظر عن صحة ما يدور فيها من زوابع مدوية، هكذا نحيا لنتعلم كيفية التغلب على أنفسنا والتأقلم مع الأصوات الخافتة والساحبة للعمق السحيق في ذات الوقت، لنخرج إلى ذواتنا الحقيقية ونرتقي بكل ما فينا وبنا إلى الأعالي.
«لا تتأخر في اكتشاف الحقيقة، حقيقة أنك أعز صديق لنفسك» - آية ماهر.