عبدالله خلف
كتب كلثوم بن عمرو العتّابي إلى صديق له:
أما بعد.. أطال الله بقاءك، وجعله يمتدّ بك إلى رضوانه، وجعل الجنة مأواك، إنك كنت عندنا روضة من رياض الكرم، تبتهج النفوس بها، وتستريح القلوب إليها، واختلفتنا بُروقها، وفقدنا صالح الإخوان، وإن الكريم إذا استحيا من إعطاء القليل ولم يحقر الكثير، لم يعرف جوده.
وكنا نعفيها من النُجعة، (النجعة طلب الكلأ في موضعه):
إذا تكرمت عن بذل القليل ولم
تقدر على سعة لم يظهر الجودُ
بُثَّ النّوالَ ولا تمنعك قِلّتُهُ
وكل ما سدّ فقراً فهو محمودُ
دخلت أعرابية على عبدالله بن بكرة، بالبصرة فوقفت بين السماطين، فقالت: أصلح الله الوالي، وأمتع به، حدرتنا إليك سنة اشتد بلاؤها، وانكشف غطاؤها.
وكان الناس ثلاثة، فالغنيّ من أُعطي ما يستحقه، والفقير من مُنع حقه، والمستزيد الذي يطلب الفضل بعد الغنى.
قدم رجل من أهل الشام على أبي جعفر المنصور، فتكلم كلاماً حسناً، فقال له أبو جعفر، ما حاجتك؟ فقال يُمْليك اللهُ يا أمير المؤمنين، قال أمية بن أبي الصّلت:
عطاؤك زين لامرئ إن حبوته
ببذل وما كل العطاء يزينُ
وليس بشين لامرئ بذلُ وجهه
إليك كما بعض السُّؤال يشين
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حياؤك إن شيمتك الحياء
كريم لا يغيْره صباح
عن الخلق الجميل ولا مساءُ
ولما ولي الخليفة المهتدي سليمان بن وهب، وزارته، قام إليه رجل من ذوي حُرْمته فقال:
أعز الله الوزير... أنا خادمك المؤمّل
لدولتك السعيدة بأيامك المنطوية القلب
على وُدّك، المنشور اللسان بمدحك
المرُتهن بشكر نعمتك:
وفيتُ كل صديق ودّني ثمناً
إلا مؤمّل دولاتي وأيامي
فإنني ضامن أن لا أكافئه
إلا بتسويغه فضلي وإنعامي