: آخر تحديث

بين البياتي وأصلان

1
1
1

قبل أقل من عام وقفتُ هنا عند إحدى حكايات إبراهيم أصلان في كتابه الشائق «خلوة الغلبان». قلتُ يومها إنه كتاب لا يملّ من العودة إليه. الكتاب سرد لوقائع عاشها الكاتب، ولكنه كحكّاء ماهر يقدّمها لنا بشكل جاذب، فلا نشعر أننا نقرأ مشاهدات الكاتب وإنما قصصاً قصيرة اجترحتها مخيلته.

وعدتُ يومها بأن أعود بين الحين والآخر لبعض حكايات الكتاب، ووفاءً للوعد أقف اليوم عند ما حكاه أصلان عن لقاء جمعه مع الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي في العاصمة الأردنية عمّان، التي أتاها أصلان لتقديم محاضرة، فيما كان البياتي يقيم يومها فيها، حيث التقيا بداية في مقهى اسمه «الفينيق» قبل أن ينتقلا، في المساء نفسه، إلى مطعم اسمه «الياسمين» لتناول العشاء وإكمال السهرة. وسنفهم أن علاقة ودّ سابقة جمعت الرجلين، ويقول أصلان، إنه أحبّ البياتي لأسباب كثيرة هي نفسها التي أخذها الكثيرون عليه: «مناكفاته التي لم ينجُ منها أحد وابتكاراته الجارحة التي تملأ القلب غبطة»، ولن يخرج ما حكاه أصلان عما دار بينهما في «الفينيق» و«الياسمين»عن تلك المناكفات.

في البداية أخرج البياتي حبة دواء من علبة في جيبه وتناولها، وهو يقول: «الصيادلة يفتحون الزجاجات ويسرقون الحبات ثم يغلفونها ببراعة شديدة.. كانت الزجاجة تكفيني أسبوعاً. الآن تكفيني يومين أو ثلاثة»، قبل أن يدعو صبيّاً يعمل في المقهى ويعطيه نشرة علبة الدواء وورقة من خمسسة دنانير ويطلب منه أن يشتري له من الصيدلية علبة جديدة. عاد الصبي بالعلبة ودينارين ورقيين وبعض القطع المعدنية، والبياتي يعرض باقي النقود أمام أصلان قال له: «هناك نصف دينار ناقص»، ثم نادى الصبي ليقول له الشيء نفسه، وقبل أن يرد الصبي بادره بالقول: «أنت لا غبار عليك. الصيدلية هي المسؤولة». وحين عاد الصبي ثانية بالفاتورة لم يعلق البياتي. اكتفى بالقول: «إنهم يرفعون الأسعار دون أن يأخذوا رأينا».

وهما جالسان في المقهى يدخل إليه بين الحين والآخر بعض من يعرفون البياتي، ومن مكانهم يوجهون له التحية: «أهلاً يا أبا علي». يردّ البياتي على هؤلاء بفتور أو عدم اكتراث، وبعد غياب الزبون الذي حيّاه يقول لأصلان: «هذا مدسوس» وعن آخر: «يظنّ نفسه كاتباً». باختصار لا أحد ولا شيء يعجبه.

خطر في بال البياتي لحظتها أن يدعو أديباً ثالثاً ليشاركهما السهرة. أخرج من جيبه مفكرة وأعطى الجرسون رقم هاتف الرجل وطلب منه مهاتفته ودعوته للحضور. عاد الجرسون ليقول: قالوا لي إن الرجل خارج البيت. سكت البياتي قليلاً ثم خاطب أصلان: «لا عليك. إنه في البيت لكنه يخاف زوجته».

هذا فقط «غيض من فيض» ما حكاه الحكّاء أصلان من طرائف أمسيته مع البياتي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد