: آخر تحديث

من البحر إلى البحيرة: الرياض بلا بحر ومن دون نهر.. فهل من بحيرات صناعية لها؟!

1
1
1

خالد بن حمد المالك

لم تعد الرياض هي العاصمة التي نعرفها، فقد تغيَّرت شخصيتها بسرعة، وظهرت معالمها مختلفة عن ذي قبل، وتميَّزت مبانيها بالحداثة والتجديد والابتكار، ومن أرض صحراوية قاحلة إذا بالرياض تتحول إلى مدينة خضراء تسر الناظرين، وما زال هناك عمل كبير يجري لتجميل الميادين والأنفاق، والشوارع، وتحسين شكل المباني، والتخلص من التشوّه البصري فيها، وجعل المدينة أكثر بهاءً وجمالاً.

* *

وبهذا الشكل أصبحت الرياض جاذبة في كل شيء، بأنشطتها الفنية والترفيهية والسياحية والرياضية، وفي نمط الحياة، ومستوى الخدمات، وسلوك الناس، والتفاعل مع ما استجد من مظاهر جديدة، واحترام لجودة الحياة التي سادت الرياض الحديثة.

* *

حدث هذا في فترة زمنية قصيرة، وبأقل مما كان متوقعاً ومنتظراً زمنياً، ما أبهر العالم، وحرّك دول الجوار وغيرها للحديث عنه، ومحاولة محاكاته، دون أن يتوقف قطار التجديد والإصلاح والإضافة لتكون عاصمة المملكة على نحو يليق بها، ويعزِّز مكانها ومكانتها كإحدى العواصم الكبيرة والمهمة على مستوى العالم.

* *

والرياض لم تعد مدينة واحدة، فقد توسعت كثيراً، وزاد حجمها، وكثر عدد سكانها، وأصبحت بمثابة مجموعة مدن، تتوفر في كل منها جميع الخدمات والمتطلبات، بما يوفر للسكان متطلباتهم بمقربة منهم حيثما يقيمون في الرياض، دون معاناة أو مشقة، وما زالت الرياض على موعد مع الكثير من الإنجازات والإضافات المتوقعة لإضفاء المزيد من المشاهد الجميلة على المدينة المليونية.

* *

يقف وراء هذا التطور الهائل ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان الذي أخذ التوجيه والصلاحية والثقة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ليحقق إنجازات هائلة بمثل ما نراه في الرياض وغير الرياض في شتى مناطق المملكة، بمتابعته ورؤيته وطموحاته، فكان أن تحقق هذا التحول السريع والكبير في التخطيط للاتجاه بثقة نحو مستقبل أكثر جمالاً وبهاءً وواقعية للرياض، ضمن أنسنة عاصمة المملكة لتكون كما نراه فيها ونشاهدها الآن.

* *

لم أتحدث عن القدية وهي مدينة متكاملة لوحدها، ولا عن حديقة الملك سلمان وهي أكبر حديقة في العالم، ولا عن الدرعية المدينة التي تتشكَّل ويتم تحديثها وتتوسع من جديد ضمن رؤية جديدة لما يجب أن تكون عليه، ولا عن طريق الأمير محمد بن سلمان والمسار الرياضي، ولا عن كثير من المشروعات الأخرى التي أُعلن عنها وسوف يتم تنفيذها.

* *

كما لم أتحدث عن مطار الملك سلمان، الذي سيتم إنشاؤه (والداون تاون) الجديد، عن طيران الرياض، وعن مشاريع الإسكان الحكومية، وعن النشاط الترفيهي والسياحي والرياضي، وعن الاهتمام بكل الخدمات التي تقدم بأعلى المستويات للمواطنين والمقيمين، لأن هذا مُشاهد ويُرى رأي العين لمن يريد أن يتعرَّف على الرياض الجديدة.

* *

وبقي للرياض لتكتمل زينتها وجمالها وإبهارها كعروس أن تتزين بلمسات فنية أخرى تزيد من جمالها الأخاذ، كالاهتمام بالمجسمات التي تشير إلى تاريخ المملكة وملوكها ورجالاتها الأبطال، وإبراز ما يرمز إلى القصص التاريخية المثيرة عن توحيد المملكة برجالاتها وكل محطاتها، فضلاً عن المجسمات الفنية التي تحمل رموزاً وإشارات إلى ما تتميز به المملكة على المستوى الاجتماعي والتراثي وغير ذلك كثير.

* *

ولأن الرياض مدينة بلا بحر، ومن غير نهر، وأمطارها موسمية وشحيحة ومحدودة، ولكسر حدة الجفاف، فقد يكون من المناسب تعميم النوافير، والشلالات، ومساقط المياه الصناعية على الميادين الرئيسة وفي الأحياء، وبذلك يتم الحد من الجفاف، ولو في نطاق محدود، فضلاً عن أنها سوف تعطي لمسة من جمال، ضمن جودة الحياة التي تركِّز عليها رؤية المملكة.

* *

أخلص بعد كل هذا إلى أهمية إعادة دراسة إمكانية إيجاد بحيرة صناعية أو أكثر بالرياض، ليكتمل جمال وزينة الرياض، وهي فكرة بحسب من تناول طرحها تعتمد على جلب المياه للبحيرة المقترحة وتغذيتها من مياه الخليج العربي، وهو مشروع هائل وعظيم لو تحقق، ستُغطي تكاليفه المنتجعات والفنادق والمراكز الترفيهية والرياضية والمطاعم والمقاهي والأسواق التي يُفترض أن تقام على جوانبها.

* *

كثير من الكتَّاب كتبوا عن هذه الفكرة، مواطنين وغير مواطنين، من داخل المملكة ومن خارجها، وكان هناك تفاعل من الملك سلمان حين كان أميراً لمنطقة الرياض ورئيساً للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، حيث أوضح آنذاك في تعقيب له على ما كتبه الدكتور عبدالعزيز الجارالله في صحيفة الجزيرة بأن تنفيذ هذا المشروع الذي لقي اهتمام وحماس الكثيرين منذ مدة تسبقه أولويات تتمثَّل في احتياجات كثيرة للمواطن بالنظر إلى النمو والتوسع في مدينة الرياض، مثل تنفيذ مشاريع الخدمات العامة من مياه وكهرباء وطرق ونقل وصحة وتعليم، إلى جانب مشاريع بنى تحتية عديدة.

* *

لكن الرياض الآن تكاد تكون قد استكملت كثيرا مما أشار إليه خادم الحرمين الشريفين، بفضل اهتمامه الشخصي منذ أن كان أميراً لمنطقة الرياض، ما جعل الرياض درة العواصم، وأكمل ما كان ينقصها - حفظه الله- حين أصبح ملكاً للمملكة العربية السعودية، ما يجعلنا اليوم أمام أمل كبير في ظل متغيرات كثيرة بأن يعاد النظر من جديد في دراسة إمكانية إنجاز هذا المشروع ليكون واحداً من المشاريع العملاقة التي سوف يهديها الملك سلمان وولي عهده إلى المواطنين ليس في منطقة الرياض فقط، وإنما في كل مناطق المملكة، على ما في ذلك من تكاليف مالية باهظة، وتحديات هندسية كبيرة.

* *

نعم هناك تحديات فيما لو أُقر تنفيذ هذا المشروع أشار إليها الملك سلمان في تعقيبه على مقال الدكتور عبدالعزيز الجارالله في صحيفة الجزيرة حين كان أميراً لمنطقة الرياض، وهو - حفظه الله- المهندس الحقيقي لعاصمة المملكة على مدى أكثر من نصف قرن، والأكثر دراية باحتياجاتها ومتطلباتها، وبين هذه التحديات ارتفاع مدينة الرياض عن مستوى الخليج العربي والبحر الأحمر بما يصل إلى 600 متر، ما يعني ضرورة إيجاد معالجات هندسية مكلفة، خصوصاً لضخ المياه إلى مستويات مرتفعة على مساحات طويلة، ما سيجعل تكاليف تنفيذه وتشغيله وصيانته مرتفعة، كما أنه سيتطلب إنشاء أعداد كبيرة من الجسور لحركة السيارات العابرة لهذا المجرى المائي وما يتصل به من بحيرات.

* *

غير أن هذه التحديات، وهناك بعض مما لم أذكره مما أشار إليه الملك سلمان، ستكون هينة ولينة وسهلة -إن شاء الله- بهمة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ومع توفر المال، والتقدم الهندسي والتقني بين ما كان وما أصبحنا عليه، بحيث يمكن أن تعاد من جديد الدراسات للنظر في إمكانية وجدوى تحقيق المشروع، ولنا في الكثير من الإنجازات التي تحققت في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان رغم التحديات الكبيرة والكثيرة، ما يجعلنا نأمل بتوجيه كريم يعيد النظر في دراسة الفكرة من كل جوانبها الإيجابية والسلبية، وتنفيذ ما يخدم الرياض وساكنيها من مواطنين ومقيمين.

* *

عبدالله بن خميس - رحمه الله- كتب منذ أكثر من نصف قرن في صحيفة الجزيرة مطالباً بـ(بحيرة مياه قرب مدينة الرياض)، وفكرة البحيرة كما يقترحها عبدالله بن خميس، في كتابه (فواتح الجزيرة) وتنقله لنا الدكتورة هيا السمهري بوصفه مشروعاً متكاملاً، وقد وضع الشيخ عبدالله بن خميس محدداته المكانية، ومرتكزاته التأسيسية من موجودات النظام التشغيلي آنذاك، واستشراف يرى من خلاله تحقيق النجاح للمشروع، مستنداً على مشاريع عالمية مشابهة لمقترحه تم تنفيذها، إذ يقول: (قال لي محدثي في أن ولاية أريزونا الأمريكية قد اتخذت بحيرة صناعية، يُضخ لها ماء البحر من مسافة طويلة، وقد اتخذت من هذه البحيرة منطقة سياحية امتدت على جوانبها الفنادق والمنتزهات، وظلت الزوارق تذرعها طولاً وعرضاً).

* *

كان مقال عبدالله بن خميس في صحيفة الجزيرة قد تزامن نشره مع صدور الأمر الملكي الكريم بإنشاء مؤسسة لتحلية المياه المالحة في شهر شعبان من عام 1394هـ، فإذا بـ عبدالله بن خميس يقول في مقاله: أصبح من المؤكد أن مياه الرياض سوف تعزز بمياه البحر المقطرة من ميناء العقيق أو ميناء الجبيل على مسافة تزيد على خمسمائة كيلو، أفلا يكون من الأصلح والأنجح أن تضخ المياه غير مقطرة إلى الرياض فتكون منها بحيرة صالحة تُقام عليها محطة التقطير؟ وبذلك تتحقق طاقة كهربائية ضخمة، واستحداث منطلقات للتنزه، ومنح المنطقة نسائم ملطفة للأجواء الحارة، وإمداد المياه الجوفية بروافد حديثة من المياه تنفذ من مسام الأرض، كما أن البحيرية مستهدف بصير إذا ما وُجهت إليها أودية المنطقة لتكون رافداً لها، وهي كثيرة، وتتبخر مياهها، وتذهب دون فائدة.

* *

ويقترح عبدالله بن خميس أن يكون مكان البحيرة في شمال الرياض، وهو ما يُسمى منخفض الثمامة الغربي، إذ يقول: إن أنبوب الماء القادم من البحر إلى البحيرة المقترحة سوف يفرّغ في أعلى وادي الثمامة الغربي قبل البحيرة بنحو 25 كيلو، ويقبل الماء منحدراً مع رتاج ومنحدرات عالية جداً ومستقيمة فيشكل شلالات بديعة يندر وجودها في العالم، وهو ما سوف يعطي المشروع صفة حالمة ساحرة.

* *

يضيف عبدالله بن خميس أن الموقع الذي يقترحه يتميز بأنه ذو تربة رسوبية بإمكانها أن تنقي مياه البحر وتعزل ملوحته، وحدد المكان للبحيرة المقترحة، وتفاصيل المكونات التضاريسية فيها من الأودية، والروضات المعشبة، والكثبان الرملية، والمنخفضات، والعروق، والجبال، وما إلى ذلك من محاور في مقاله - بحثه- معتمداً على استدلالات جغرافية وطبيعية تسمح بإنشاء بحيرة في عاصمة المملكة وفقاً لاستشرافه لحاجة الرياض لمثل هذه البحيرة، وتوفر القدرات المالية القادرة على تحقيق هذا الأمل.

* *

وما نراه من تطور غير مسبوق على مستوى العالم في مدينة الرياض، ومن تغيير في شكل المدينة نحو الأفضل والأجمل في عهد الملك سلمان ومحمد بن سلمان في كل شيء، يجعلنا على ثقة بأن ما كان مستحيلاً قد يصبح في هذا العهد الزاهر ممكناً، وأن البحيرة أو مجموعة البحيرات سوف تكون عند تحقيقها في عاصمة المملكة إضافة تاريخية جديدة، سوف نرى معها الرياض، وكأننا أمام وردة فوّاحة وجاذبة في قلب صحراء نجد.

* *

وإن ضخ مياه بحر الخليج إلى بحيرة أو مجموعة بحيرات في الرياض، سيكون ولا شك أمامه تحديات لا يمكن تجاهلها، ولكن مثلما كان ربط بحر المانش الذي تم بين فرنسا وبريطانيا، وربط الجزيرة البريطانية بالقارة الأوروبية، ومشروع قناة السويس، وقناة بنما التي تربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي، كلها واجهت الكثير من التحديات كما يشير إلى ذلك فيصل الشهيل - رحمه الله - في مقال له بـ»الجزيرة» ولكن أمكن التغلب عليها، وهو ما نأمل التغلب على التحديات عند التوجه لنقل مياه الخليج إلى الرياض، حيث الملك سلمان الذي كان وراء وصول الرياض إلى هذا المستوى من التطور، ومثله صاحب الهمة والعزيمة الذي يستحضر جبل طويق دائماً أمام كل ما يواجهه من تحديات أميرنا المحبوب محمد بن سلمان، فالأمل بعد الله في الملك وولي العهد كبير لتحقيق ما نتمناه للرياض، إن شاء الله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد