: آخر تحديث

«ناتو» أوروبي من دون أمريكا

7
8
6

عماد الدين حسين

سياسات وتوجهات وإجراءات وقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تسببت في زلازل متنوعة في أكثر من منطقة بالعالم، خصوصاً في الشرق الأوسط وأوروبا.

لن نتحدث اليوم عن الشرق الأوسط، فالأمور لا تزال سائلة ومتغيرة، وسيقتصر حديثنا على جانب صغير من أثر تلك الزلازل على أوروبا، ونعنى بها فقط التأثيرات المتعلقة بميزانيات الدفاع، ومستقبل حلف الناتو.

نعلم أن ترامب يطالب منذ ولايته الأولى «2016 — 2020» أعضاء «الناتو» بأن يسددوا للولايات المتحدة ثمن الحماية العسكرية التي توفرها لهم. ثم زاد الضغط الأمريكي، بأن ترتفع هذه الزيادة من 2 % إلى 5 % من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة، وهو ما سوف يتسبب في مشاكل اقتصادية ضخمة لدى بعض دول الحلف، التي تعاني من أزمات اقتصادية، حتى في ظل نسبة مساهمتها المنخفضة في ميزانية الحلف.

السؤال: ما الجديد، وما إمكانات بقية الأعضاء في الحلف في ظل الضغط المستمر من إدارة ترامب؟

طبقاً لما كشفت عنه صحيفة «الفايننشيال تايمز» في الأسبوع الماضي، فإن الدول الأوروبية تعمل على خطة تمتد من خمس إلى عشر سنوات، للاستقلال عن الحماية الأمريكية، أو استبدالها في حلف الناتو، لكن هناك من يشكك حتى داخل الناتو نفسه بأن أوروبا لن تستطيع حماية نفسها بعد 5 سنوات، ما لم تزد الإنفاق الدفاعي.

التقارير تقول إن دولاً من بينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، تعمل على تطوير مقترح بنقل المسؤوليات تدريجياً خلال فترة تمتد ما بين خمس إلى عشر سنوات، وأن الهدف هو إقناع الولايات المتحدة بانتقال منظم للمسؤوليات.

في تقديرات الخبراء أن الحفاظ على هيكل حلف الناتو من جانب الدول الأوروبية، سيكون أفضل وأبسط وأسهل بكثير من بناء إطار أوروبي جديد مستقل.

ولكي يدخل الإطار الجديد حيز التنفيذ، فإن الناتو سيطلب من أعضائه الأوروبيين وكندا، زيادة مخزوناتهم من الأسلحة والمعدات بنحو 30 % خلال السنوات المقبلة، في جميع القطاعات، مع تغيير في بعض الفئات المحددة بشكل أكبر، وهو ما يعني زيادة مساهمات الدول الأوروبية مالياً بشكل كبير، خصوصاً الدول الفاعلة، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا.

هذه الأفكار والخطط ستكون الموضوع الرئيس المطروح على قمة الحلف في لاهاي الهولندية، في يوليو المقبل، بعد عرضها أولاً على الولايات المتحدة لمناقشتها والتفاوض بشأنها.

وفى التقديرات الأوروبية المتفائلة، فإنه في حالة نجاح الفكرة، فسيكون لأوروبا قوة عسكرية كبيرة، بالشراكة مع كندا، وأقل اعتماداً بكثير على الولايات المتحدة، بل وربما الاستقلال الدفاعي عنها تماماً.

ورغم ذلك، فإن بعض الدول الأعضاء في الناتو، يرون أن مطلب واشنطن برفع المساهمة في ميزانية الحلف إلى 5 %، هدف غير واقعي تماماً، بل يقولون إن الولايات المتحدة نفسها لا تحقق هذا الهدف، حيث إن ميزانية الدفاع الأمريكية تبلغ نحو 906 مليارات دولار، بنسبة 3.4 % من الناتج المحلى الإجمالي للولايات المتحدة، البالغ حوالى 27.7 تريليون دولار، وذلك طبقاً لتقديرات عام 2023.

وفي عام 2018، كانت النسبة 3.2 %، وعام 2016 بلغت 3.3 %، وعام 1968 بلغت 9.4 %، وعام 1944 بلغت ؜37.8 %، والأرقام الأخيرة المرتفعة بسبب الحرب العالمية الثانية.

ورغم التفاؤل الأوروبي، فإن هناك مخاوف ترى أن هذه الخطة قد تدفع إدارة الرئيس ترامب إلى تسريع انسحابها من حلف الناتو، ما سيضع أوروبا في ورطة كبرى، خصوصاً أن بعض الدول الأوروبية تتحدث وتبحث عن ضرورة طمأنة أوكرانيا بقوة أوروبية، من دون مشاركة أمريكية، الأمر الذي ترفضه موسكو تماماً، وتشترط لأي وقف لإطلاق النار، عدم دخول قوات أجنبية إلى أوكرانيا، وعدم انضمام الأخيرة إلى حلف الناتو، وهو الأمر الذي صار يؤيده ترامب، بعد المكالمة الهاتفية الأخيرة المطولة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

المشكلة الجوهرية الأخرى، أن تقديرات بعض المحللين العسكريين تقول إن أوروبا لا تستطيع الدفاع عن نفسها في السنوات الخمس المقبلة، من دون المظلة العسكرية الأمريكية، وبالذات النووية، وما يقلق أوروبا أكثر، أن تبدأ واشنطن في تقليص وجود قواتها في أوروبا، مع تحول أولوياتها باتجاه المحيطين الهادي والهندي، لكن ومن زاوية أخرى، فإن الضغط المستمر من جانب ترامب، لم يترك خياراً للأوروبيين، ففي البيان الختامي للقمة الأوروبية الأخيرة، تطرق إلى نقطة مهمة، وهي أن تشكيل اتحاد أوروبا قوى في الأمن والدفاع، سوف يسهم في الأمن العالمي، وعبر ضفتي المحيط الأطلسي.

ومن الواضح أن الزلازل في العلاقات الدولية سوف تستمر، ليس فقط في أوروبا، أو على صعيد العلاقات الأمريكية الكندية، بل أساساً في منطقة الشرق الأوسط، حيث يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ضرورة إعادة رسم خريطة المنطقة حسب التصور الإسرائيلي المدعوم بقوة من جانب الرئيس ترامب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد