خالد بن حمد المالك
بينما تقود المملكة وفرنسا مبادرة غاية في الأهمية لإحلال السلام، تعتمد على تنظيم مؤتمر دولي لتحقيق خيار الدولتين، بتأييد واستضافة من الأمم المتحدة، وبينما تتوالى اعترافات الدول بالدولة الفلسطينية وسط انزعاج أمريكا وإسرائيل، وغيابهما عن المشاركة بالمؤتمر، بما فُسِّر بأنهما ضد إقامة دولة للفلسطينيين، ومصرتان على استمرار الاحتلال والضم والتهجير، وأنهما غير مهتمين بالسلام، وغير مباليتين باستمرار الحرب، تؤكد دول العالم بأنه لا خيار ولا بديل عن إقامة الدولة الفلسطينية.
* *
تصف أمريكا المؤتمر بأنه أشبه بمسرحية، ويقول الرئيس ترامب بأنه بلا قيمة، وأن على حماس أن تسلِّم سلاحها، وتفرج عن الرهائن، لكنه لا يقول وإن على إسرائيل أن توقف مجازرها، وتنسحب من قطاع غزة، فيما يصف وزير الأمن القومي الإسرائيلي بأن اعتراف ألمانيا بالدولة الفلسطينية هو دعم للنازيين ويقصد بهم الفلسطينيين ضد اليهود، ومن بين الوزراء في حكومة نتنياهو من يطالب بإلقاء قنبلة ذرية على قطاع غزة لإزالته ومن يقطن فيه من الفلسطينيين من الوجود، في وقت يتناوب أعضاء الوزارة الإسرائيلية الإرهابية في أكاذيبهم بأنهم لا يمارسون تجويع الفلسطينيين، أو أنهم يوجهون أسلحتهم نحو المدنيين.
* *
في حرب الإبادة في قطاع غزة انكشف المستور، وخرجت دول العالم عن صمتها تدين إسرائيل، وتطالبها بوقف العدوان، لكن تل أبيب لا تلقي بالاً ولا اهتماماً بردود الفعل الغاضبة ضد الممارسات القمعية، والحرب الوجودية في ظل احتلال ينتهك كل القوانين الدولية، ويتصرَّف وكأن هذه الدولة خارج سياق أي تنظيم للعلاقات بين الدول، مستندة على الدعم والحماية الأمريكية التي تعاضد إسرائيل في عدوانها واحتلالها لفلسطين، وامتداداً لاعتداءاتها واحتلالها لأجزاء من الأراضي اللبنانية والسورية.
* *
وفي مواجهة ضد قرارات مؤتمر خيار الدولتين، بدأت تل أبيب في فتح منافذ لتهجير الفلسطينيين، مدعية بأنها لا تُكره أحداً على الهجرة، كما زادت من اعتداءاتها وضغطها على الفلسطينيين، لإجبارهم على الهروب والفرار من الموت إلى الوجهة لتي تقررها بالتنسيق مع أمريكا، غير عابئة بما جاء في وثيقة مؤتمر حل الدولتين برفض التهجير، ووقف الاعتداءات، والانسحاب من القطاع، والاتجاه نحو السلام بقيام دولة فلسطينية، تحقيقاً لخيار الدولتين.
* *
تذكروا ما أفصح عنه الرئيس ترامب بأن التهجير سيكون إلى مصر والأردن، وقد قُوبل بالرفض من القاهرة وعمَّان، وما قاله الرئيس بأن قطاع غزة غير صالح للسكن، وأحياناً بأنه سوف يحوله إلى ريفيريا الشرق الأوسط، ولكنه ليس للفلسطينيين، وتذكروا بأن الموساد طلب مساعدة أمريكا لإقناع دول باستيعاب فلسطيني قطاع غزة، وكذلك مساعدتها لإخراجهم من القطاع إلى دول تقبل بهم، وسماها (ليبيا، إثيوبيا، إندونيسيا) كما يقول رئيس الموساد.
* *
ومع أن هذه الدول الثلاث لم يصدر عنها ما يؤكد صحة تصريحات رئيس الموساد، إلا أن اقتراح إسرائيلي وقح بأن تقوم أمريكا بتقديم حوافز لمن يتجاوب من الدول مع المخطط الإسرائيلي، وما يؤكد هذه المؤامرة ما صرح به رئيس وزراء إسرائيل بأن أمريكا وإسرائيل ودولاً أخرى تعمل لمنح الفلسطينيين مستقبلاً أفضل بتهجيرهم إلى ديار قريبة وبعيدة.
* *
ولا يظهر على نتنياهو اليأس، أو الشعور بفشل مؤامرته، فهو حتى بعد قرارات المؤتمر لا يزال على موقفه مصراً على إخلاء قطاع غزة من الفلسطينيين، تمهيداً لتهويده، وجعله جزءاً من إسرائيل الكبرى، مع علمه بأن تهجير مليوني فلسطيني من القطاع أمر غير ممكن تحقيقه، فالعدد كبير ولا يمكن أن تستوعبه دول محدودة، فضلاً عن أن الفلسطينيين متمسكون بأرضهم، ولا يمكن أن يفرِّطوا بها، أو يقبلوا بإغراءات للتنازل لإسرائيل عنها، لكن إسرائيل هي الأخرى لا يمكن أن تتخلَّى عن أطماعها، غير أن كسر هذه الأطماع يعتمد على الإرادة الفلسطينية الصلبة، وهذا ما سوف يكون عليه حال القطاع ومستقبله كجزء من الدولة الفلسطينية وإن تأخر زمنه.
* *
مؤتمر خيار الدولتين، حرَّك القضية بأقوى مما كانت عليه، وجددوا العزم والإصرار على قيام الدولة الفلسطينية، وفي الشهر القادم موعد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة سوف تستكمل القوة الضاغطة على أمريكا وإسرائيل للتسليم بالأمر الواقع، واللحاق بالقطار السلمي قبل أن يتحرَّك مسرعاً نحو تحقيق خيار الدولتين، إن كانت لدى الدولتين نيَّة لإحلال السلام.