ألا ترى سلبيّة التسليم لبيت المتنبي، من باب أنه حكمة رائعة: «ومن تفكّر في الدنيا ومهجتهِ.. أقامه الفكرُ بين العجز والتعبِ». تخيّل عاقبة الركون إلى سحر البيان وطلاوة البلاغة. في الذهن التجريبي، يجب أن تدار الفكرة بطرق شتى، وتطبّق على ميادين عدّة. تقول مثلاً: ماذا لو عمل الساسة بمضمون هذا البيت؟ أبو الطيب كان مشغولاً بإدارة شؤون حياته، لكن، بطموح لا حدود له، ومؤهلات إداريّة وتنفيذية محدودة. لهذا نرى لديه الكثير من المتجاورات المتشابهات المتعاكسات كالمرايا، لصورة ذلك البيت، مثل: «ذو العقل يشقى في النعيم بعقلهِ»، أو «وكل بعيد الهمّ فيها معذّبُ».ما رأيك الآن؟ هل يبدو لك أن دوران الدول في حلقات مفرغة، أو عدم قدرتها على التحرك والتغيير، إنما هو شبيه بالوقوع في مصيدة التنويم؟ كأن وطأةً ذهنيّةً تقيّدها، تحقنها بقناعة سامّة: لا جدوى من الحركة، لا تخدعنّك المقولة «في الحركة بركة». إذا لاح لك هذا الاستدلال دعابةً أو أحبولةً، فكيف تفسّر أن ثلاثة أرباع العالم العربي غير قادرين على الحراك إلى الأمام، غير مبالين تارةً بالانهيارات، وأخرى بالقطار الهاجم والشخص واجم؟ خذ آلةً حاسبةً وأمامك «غوغل»، سترى أن الرقم أكثر من ثلاثة أرباع العالم العربي، يواجه حالة الجمود بلا مواجهة.هل تفكر في منجاة من بيت أبي الطيب، حتى لا يقيم الفكرُ الشعوبَ المتعثرة بين العجز والتعب؟ بمجرد أن يجري التعب على لسانك يزيدك فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة، أبو العلاء، غمّاً على همّ: «تعب كلها الحياة، فما أعجب إلا من راغب في ازديادِ». الحلول كلها تصبّ في مصبّ واحد، فلكي يخرج الناس من ظلمات الأوهام، إلى أنوار التنمية العقلية أوّلاً، فإن التنميات المتعثرة، التي تحول دون أيّ فرصة سانحة للعمل المشترك، بالتالي تعرقل التنميات الناجحة، بالقرينة، منطلقها السليم هو ذلك الذي أوصى به علماء الاجتماع منذ عشرات السنين: «كل مشكلات البلدان المتخلفة إدارية». للاجتماعيين، خصوصاً الفرنسي جاك بيرك، مقولة ظريفة أخرى: «لا توجد بلدان متخلفة، ثمة بلدان سيئة التغذية». هل تذكر المطبّ الرهيب: «النفط مقابل الغذاء والدواء»؟ سيف الإسكندر الذي ينجيهم من عذاب أليم، هو أن تعكف أدمغة العرب على حل اللغز الكبير: ما أسباب الهشاشة العامة؟ لماذا تظل التنمية الشاملة والإدارة الفائقة، والتغيير الإيجابي، العسير الممتنع على طول المدى؟لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: أليس غريباً أن أطنان أشعار الفخر والحماسة لم تحرّك ذرّةً في جمود أشعار التعب؟
إخفاق أشعار الفخر والحماسة
مواضيع ذات صلة