محمد سليمان العنقري
ثبت الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة باجتماعه الأخير الأربعاء الماضي رغم مطالبة الرئيس الامريكي ترمب بخفضها بمناسبات عديدة الذي وصف رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بالمتأخر دائماً، موضحاً ان عدم خفض الفائدة سيضر الاقتصاد ويكلف خزينة أميركا دفع تكاليف دين ضخمة قدرها بالتريليونات، لكن تجاهل باول وأعضاء الفيدر لنداءات ترمب مبنية على مخاوف من عودة التضخم بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب بنسب عالية، ولذلك فضلوا التريث حتى تتضح آثار هذه الحرب التجارية على التضخم، وهل ستؤخر الوصول للمستهدف عند 2 بالمائة.
وحقيقة فإن الرئيس ترمب يخاطب باول بشكل اسبوعي عبر أي مناسبة لحوار صحفي أو تصريحات يكتبها بوسائل التواصل الاجتماعي بل ويستخدم عبارات قاسية بحقه إلا أنه وبعد التثبيت الأخير لسعر الفائدة، قال ترمب: إذا استمر باول في رفضه خفض الفائدة، فعلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي تولي زمام الأمور، ويفعل ما يعلم الجميع أنه يجب فعله، فمطالبته بتولي المجلس هذه المهمة قد تمثل سابقة في التدخل بقرارات الفيدرالي الذي يفتخر باستقلاليته عن الحكومة، فمجلس الاحتياطي الفيدرالي يرى بأن الرسوم الجمركية فرضت مخاوف لم تكن بالحسبان حول مستقبل التضخم واحتمال ارتفاعه، ورمى بذلك الكرة بملعب ترمب الذي أوصل الفيدرالي لمرحلة لم يعد يستطيع تقدير اثر الرسوم على ارتفاع تكلفة المعيشة بسبب القرارات الكثيفة التي يتخذها بخصوص الرسوم واستخدامها كورقة تفاوضية لعقد اتفاقيات تجارية جديدة فيضع رسوما عالية، ثم تخفض بشكل كبير عند توقيع الاتفاقيات مع الشركاء الكبار لأميركا تجارياً كما يمدد أحيانا فترات بدأ تطبيق الرسوم المرتفعة مما جعل قياس الأثر صعباً جداً بحسب وجهة نظر مجلس الاحتياطي الفيدرالي والذي يرى أيضاً أن معدل البطالة غير مقلق، وأداء الاقتصاد مقبول مما يعطيه فسحة للتريث قبل العودة لخفض الفائدة.
لكن إصرار ترمب على خفض الفائدة له أسباب عديدة؛ فهو يريد خفض نفقات الحكومة بما يتعلق بتكلفة الديون السيادية وهو ما يوازن الكفة مع ارتفاع النفقات بقانون الميزانية والضرائب الجديد، إضافة لدعم جذب الاستثمارات بافتتاح خطوط إنتاج باميركا وتقليص الواردات وزيادة الصادرات ويرى ترمب أن مخاوف التضخم معدومة؛ فالاتفاقيات التجارية مع إهم الشركاء أنجز الكثير منها وان العديد من التكاليف المعيشية انخفضت بسبب تراجع تكلفة الطاقة وغيرها من المتغيرات بزيادة الانتاج والمعروض من السلع والمنتجات فهو والحزب الجمهوري الحاكم يريدون انتعاشاً اقتصادياً مميزاً يدعم حظوظهم بالحفاظ على الاغلبية في الكونجرس العام القادم في الانتخابات النصفية، وهذا الانتعاش لن يظهر أثره إلا بخفض الفائدة بشكل متسارع وقبل نهاية العام حسب وجهة نظرهم ، لكن ما قد يغير من نظرة الفيدرالي بالاجتماع القادم في سبتمبر، ويتجه لخفض الفائدة هو رقم توليد الوظائف الضعيف الذي جاء اقل من التوقعات بكثير مما رفع احتمال خفض الفائدة الى 75 بالمائة حسب توقعات المراقبين في وول ستريت، إضافة إلى أن عضوين بالمجلس صوتا لصالح خفض الفائدة في اول انقسام يحدث منذ العام 1993م مما قد يرفع عدد مؤيدي خفض الفائدة بالمستقبل القريب.
الاشكالية التي يواجهها الفيدرالي ليست فقط ضغوط ترمب وفريقه الاقتصادي، بل الثقة التي اهتزت به من خلال الصورة التي اخذت عنه عندما لم يستطع قراءة التضخم بشكل جيد واعتبره عابر قبل ثلاثة أعوام مما انعكس بتأخره برفع الفائدة فاضطر لعمل سلسلة متواصلة وطويلة من رفع الفائدة أضرت بقطاع الأعمال وافلست عدة بنوك صغيرة بسبب ذلك، وحالياً عادت المخاوف من أن يكون باول وفريقه يكررون نفس الخطأ بتأخرهم بخفض الفائدة لما يقارب 3،5 بالمائة علي الاقل هذا العام، خصوصاً انه قال لا قرارات بخصوص سبتمبر مما يفهم بأنه عجز من الفيدرالي عن تقدير نسبة التضخم واثر الرسوم وهل هناك تباطؤ عميق بدا بالاقتصاد وقد تتسارع وتيرة تبعاته قبل اتخاذ القرارات الاستباقية التي اعتادت اميركا عليها من قبل الفيدرالي الذي كان المؤسسة الاكثر موثوقية في العالم بسبب قدرته على تقدير احتياجات الاقتصاد لقرارات تدعم نموه واستقراره.