خيرالله خيرالله
ما شهدته غزّة هو صرخة في وجه «حماس» وبنيامين نتنياهو. إنّه اعتراض لمواطني القطاع على ممارسات «حماس». يمثل ذلك تحدياً كبيراً أمام الشعب الفلسطيني الساعي إلى وقف الحرب فعلاً واستعادة حريته وتقديم نفسه كصاحب مشروع قابل للحياة لا يمكن تجاهله في ضوء وجوده على الخريطة السياسية للشرق الأوسط.
يتصدّى أهل غزّة لممارسات «حماس» بعدما أدّت ممارساتها طوال ثمانية عشر عاماً، خدمة لمشروع اليمين الإسرائيلي الذي يستهدف القضاء على أي تسوية معقولة ومقبولة تقوم على خيار الدولتين.
إلى يومنا هذا، لا تزال «حماس» متمسكة بدورها المبني على تكريس الانقسام الفلسطيني والقضاء نهائياً على خيار الدولتين عن طريق فصل غزّة عن الضفّة الغربية. يبدو أنّها نجحت في ذلك إلى حدّ كبير إذا أخذنا في الاعتبار الكارثة الناجمة عن «طوفان الأقصى» التي توجت بوقوف العالم موقف المتفرّج من الوحشية الإسرائيلية التي مورست منذ الثامن من أكتوبر 2023 رداً على الهجوم الذي شنته «حماس» قبل ذلك بيوم واحد.
في الوقت الراهن يملأ أهل غزّة، الذين عانوا الأمرّين منذ استولت «حماس» على القطاع، الفراغ الذي كان مفترضاً بالسلطة الوطنيّة ملأه منذ الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزّة في أغسطس 2005.
تخلت السلطة الوطنية الفلسطينية باكراً عن دورها ومسؤولياتها في غزّة، خصوصاً بعدما خلف محمود عباس، ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي توفي في نوفمبر 2004. تجاهل «أبو مازن» كلّياً ممارسات «حماس»، مباشرة بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزّة. تجاهل غزّة بدل ذهابه شخصياً إليها لمواجهة «حماس» ومشروعها. بكلام أوضح، غابت غزّة عن أجندة «أبو مازن» الذي حصر همّه وطموحاته في كيفية البقاء رئيساً مدى الحياة للسلطة الوطنية.
ليس سرّاً أنّ «حماس» استُخدمت إيرانياً قبل العام 2007 في لعب دور مكمل لدور اليمين الإسرائيلي في القضاء على اتفاق أوسلو، ذي الحسنات الكثيرة والعيوب الكثيرة في الوقت ذاته. لا يمكن تجاهل أنّه لولا اتفاق أوسلو الذي وقع في خريف العام 1993، في ظروف صعبة ومعقدة خلفها الاحتلال العراقي للكويت وحرب التحرير التي تلته، لما عاد ياسر عرفات يوماً إلى أرض فلسطين ولما وجد مكاناً يدفن فيه على مرمى حجر من القدس.
كلّ ما يطالب به أهل غزّة، عبر الانتفاضة التي يشهدها القطاع، وقف الحرب. ليسوا على استعداد للذهاب ضحية طرفين لا مصلحة لأي منهما في هدنة حقيقية. المفارقة أن طلب الغزاويين يشكّل اعتراضاً على إصرار «حماس» على متابعة الحرب التي تخدم بنيامين نتنياهو.
لا شكّ أن مهمة أهل غزّة صعبة، خصوصاً في ضوء مسار «حماس» ونتنياهو من جهة، والعجز الذي تعاني منه السلطة الوطنية من جهة أخرى. يزداد وضع غزّة صعوبة في ظلّ موقف أميركي منحاز كلّياً لليمين الإسرائيلي الذي يعتبر «طوفان الأقصى» فرصة لا تعوّض من أجل تصفية القضية الفلسطينية. لا تزال الإدارة الأميركيّة مصرة على أن لا خيار آخر غير تهجير أهل غزّة في انتظار إعادة بناء ما تهدم، وهو أمر يستغرق ما بين 15 و 20 عاماً!
تبقى المشكلة الأهمّ في رفض «حماس» القيام بمراجعة شاملة لمواقفها مع ما يعنيه ذلك من اعتراف بفشلها في كل ما قامت به منذ وجودها في العام 1987. فعلت ذلك عبر العمليات الانتحارية التي لجأت إليها بعد توقيع اتفاق أوسلو... وعبر الانقلاب الذي نفذته في غزّة. استغلت انسحاب الاحتلال في 2005 لتباشر إطلاق الصواريخ في اتجاه الأراضي الإسرائيلية. لم يكن اليمين الإسرائيلي معترضاً على الصواريخ مقدار ما وجد فيها فرصة ليقول «أن لا شريك فلسطينياً يمكن التفاوض معه».
فتح الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزّة، وهو انسحاب شمل المستوطنات التي بنيت في القطاع، الباب أمام إثبات الشعب الفلسطيني قدرته على بناء دولة. كان يمكن لغزّة تشكيل نواة لدولة فلسطينية قابلة للحياة. استفادت «حماس» من الحصار الإسرائيلي الظالم لغزّة كي تحكم سيطرتها على القطاع تمهيداً لطرد «فتح» والسلطة الوطنية منه.
لم يكن لدى «حماس» من همّ سوى ممارسة السلطة وعزل غزّة عن الضفّة الغربية. انحصر طموح الحركة في إضعاف السلطة الوطنية تمهيداً للسيطرة على الضفة أيضاً. بعد ما يزيد على سنة ونصف السنة على «طوفان الأقصى»، لم تعد «حماس» تمتلك غير ورقة الرهائن الإسرائيلية. لا تدرك الحركة أن هذه الورقة ورقة لدى حكومة نتنياهو أيضاً. يستغل «بيبي» الورقة لمتابعة حربه على غزّة. يتلذذ رئيس الحكومة الإسرائيلية بمزيد من القتلى والدمار. لا حدود لشهواته ما دام الشعب الفلسطيني ضحية ما يقوم به... وما دامت الوحشية تصبّ في خدمة مشروع تصفية القضيّة الفلسطينية.
هل تعي «حماس» هذا الواقع؟ الأمل كبير في أن تؤدي انتفاضة أهل غزّة إلى تغيير في سلوك الحركة العاجزة عن مواجهة حقيقة وحيدة. إن اليمين الإسرائيلي هو المستفيد ومشروعه الهادف إلى تحقيق هدف إلغاء شعب من الوجود!