في الأسبوعين الماضيين كنت في رحلة إلى أوروبا، فقد انطلقت من بريطانيا إلى التشيك، وتحديداً العاصمة براغ. لفت نظري مستوى النظافة العالي في المدينة. ورغم أنها مدينة سياحية يصل إليها عدد كبير من السياح، فإنها حافظت على بريقها، هذا من ناحية.
من ناحية أخرى، سهولة المواصلات؛ فكل شيء متوفر من الدراجة العادية المعدة للإيجار وصولاً إلى التاكسي والأوبر، ودون أن ننسى المترو والباص، كل هذا لا يهم، إنما أردت أن أتحدث عن شيء آخر لفت نظري، فمن معالم المدينة التي يُنصح بزيارتها، سوق الخضار. استغربت أن يكون سوق الخضار واحداً من معالم المدينة. ودفعني الفضول وعائلتي إلى الحرص على زيارته.
بالفعل، في اليوم التالي ذهبنا إلى سوق الخضار، وإذا به سوق عادي، صحيح أنه منظم وهناك دورات مياه للزوار، والأهم من ذلك أنه يعج بالسياح الذين ربما دفعهم الفضول لزيارة السوق مثلي.
لم يقتصر الأمر على ذلك؛ فوجدنا في دليل المدينة أن هناك يوماً مخصصاً يعرض فيه المزارعون منتجاتهم، ويسمى سوق السبت، ويقام على ضفاف نهر الدانوب، وهو عبارة عن أكشاك مؤقتة تقام كل سبت يبيع فيها المزارعون منتجاتهم الطازجة، مثل الحليب ومشتقاته من الأجبان، والعسل، وبعض أنواع الخبز المصنوعة في البيت، وغير ذلك من منتجات المزارع.
المهم في ذلك أنه كان شيئاً عادياً، ولكن حسن الإعلان دفعنا للذهاب إليه، والحقيقة أننا قضينا بضع ساعات لطيفة في المكان، والذي زاد من بهجته وجود كافيهات القهوة وبعض الأطعمة الخفيفة، فكان مكاناً ممتعاً رغم بساطته، وزاد من جماله وجود السياح من مختلف الجنسيات.
غادرنا المدينة مروراً بسلوفاكيا التي أمضينا في عاصمتها ثلاثة أيام، ثم غادرناها إلى بودابيست التي تعج بالأماكن السياحية المعتادة، مثل القلاع والكافيهات والمطاعم، وغيرها من الأماكن التي يبحث عنها السياح، ولكن مما يلفت النظر حسن تعريفهم بالأماكن السياحية مثل الجسر الذي يربط المدينة القديمة بالمدينة الجديدة، والذي يمر عبر نهر الدانوب، وكان مليئاً بالسياح.
وأيضاً في بودابيست كان هناك إعلان عن سوق الخضار، ويدعى «سنترال ماركت»، فدفعنا الفضول مرة أخرى للذهاب إليه.
ما لفت نظري أيضاً في المدينة وجود تماثيل للكتّاب والمفكرين والصحافيين والموسيقيين، تعرض تاريخهم وما قدموه من أعمال. ورغم وجود ذلك في بطون الكتب، فإنهم استطاعوا أن يجعلوا منها مزاراً يذهب إليه السياح ويلتقطون الصور بجانبه، مما يسوّق للمدينة ويجعلها أكثر متعة للسياح العاديين، ويجعلهم ينفقون أموالهم، مما يحرك النشاط الاقتصادي في المدينة.
في عالمنا العربي تراث تاريخي وحضاري لم يُستغل اقتصادياً، أو يروج له سياحياً؛ ففي كل شبر من العالم العربي هناك أثر له دلالة تاريخيّة يتجاوز عمره ألفاً وخمسمائة سنة يستحق الزيارة، ومع ذلك لم يُستغل سياحياً ليمثل عائداً للمدينة وأهلها. فكل حركة للسياح تعني إنفاق أموال تعود على اقتصاد المدينة بالنفع، بدءاً من شَغل الفنادق إلى حركة النقل إلى الإنفاق على المأكل... ناهيك بالتسوق الذي ينفق فيه السياح أموالاً طائلة.
ففي جنوب السعودية مثلاً هناك أسواق مشابهة في القرى، مثل سوق الأحد وسوق الخميس، فلو تمت العناية بها، ورُتبت بشكل أفضل، وقُدمت لها خدمات المياه والكهرباء، ووُضعت حمامات عامة... لَتهافت المستثمرون على إنشاء المطاعم والكافيهات بجانب هذه الأسواق، مما يمثل مردوداً اقتصادياً للمدينة عبر توفير فرص التوظيف لأهلها. ولو ذهبت إلى كل عاصمة عربية لوجدت شيئاً تراثياً من الممكن أن يكون مكاناً للزيارة؛ فدمشق مليئة بالصناعات اليدوية، وفي الزبداني وبلودان يمكن عرض المنتجات الزراعية.
وفي مصر سنجد الصناعات اليدوية والحرفية التي تستحق الزيارة، ولكن فقط تحتاج تهيئة الظروف لتكون مزاراً للسياح. وفي الخليج يمكن وضع نموذج لبئر من النفط، وشرح طريقة الاستخراج والتكرير والتصدير، ليكون مزاراً للسياح.
لدينا الكثير من المعالم السياحية في عالمنا العربي التي لم تُستغل بعدُ. ولو رتبنا أمورنا واستفدنا من هذه المعالم كمزارات سياحية توفر مردوداً اقتصادياً، وفرصاً وظيفية لأهل المدينة؛ لَخرجنا بأماكن عديدة تستحق الزيارة، فلماذا لا نقلدهم؟ ودمتم.