عبدالرحمن الحبيب
إذا كان من الصعب جداً إقناع المؤمنين بنظريات المؤامرة بالوقائع الفعلية لأنهم يعتبرون هذه الوقائع مجرد خدع للتمويه، فقد وجد الباحثون مؤخراً أن روبوت الذكاء الاصطناعي مفيد جدًا في مساعدة الناس على إعادة التفكير في المعتقدات الخاطئة ويمكنه المساعدة في دحض نظريات المؤامرة، رغم مشكلة أن هذه النظريات غير قابلة للدحض مثل من يزعمون أن هناك كائنات فضائية تهبط للأرض وتراقبنا لكن بطريقة خفية لا نراها ولا يعلمها إلا منظمات سرية أو وكالة ناسا مثلاً.. الآن، وفقاً للمختصين، نجد الأمل في التكنولوجيا الجديدة: شريك محادثة مدعوم بالذكاء الاصطناعي، تم تصميمه لمحاولة إقناع المشاركين بتقليل إيمانهم المتعصب بالمؤامرات من خلال دحض الأدلة المحددة التي قدمها المشاركون لدعم نظرية المؤامرة المفضلة لديهم؛ لكن كيف، ولماذا كان الذكاء الاصطناعي أفضل من البشر في إقناع الناس بتغيير آرائهم؟
في دراستين شملتا أكثر من ألفي مشارك، وجد الباحثون انخفاضًا بنسبة 20 في المائة في الإيمان بنظريات المؤامرة بعد تفاعل المشاركين مع شريك محادثة قوي ومرن وشخصي من GPT-4 Turbo، حسبما أفادت الدكتورة في علم النفس الإدراكي آني ديوك التي أوضحت حصول انخفاض في الإيمان بنظرية المؤامرة عبر مجموعة من الموضوعات، بما في ذلك وباء كورونا ونتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، وأن المشاركين أظهروا نية متزايدة لتجاهل أو إلغاء متابعة حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تروج للمؤامرات، واستعدادًا متزايدًا بشكل كبير لتجاهل أو الجدال ضد المؤمنين الآخرين بالمؤامرة.
تقول آني: إنها نتيجة مفاجئة، خاصة بالنظر إلى الإخفاقات السابقة للتدخلات العلمية في الحد بشكل كبير من الإيمان بنظرية المؤامرة، وعدم فعالية الإقناع البشري عبر الأدلة بالأحداث الواقعية في تغيير العقول؛ وترى أن هذا الاستنتاج يثير سؤالاً: عندما اجتذب مايكل بروتزمان (المقاول السابق في مجال هدم المباني) العديد من الناس لدرجة أن المئات منهم سافروا إلى دالاس في الأول من نوفمبر 2021، ليشهدوا ظهور جون ف. كينيدي الأب والابن على تلة عشبية مجاورة لموقع اغتيال جون كينيدي، فلماذا لا ينجح عدم ظهور كينيدي وابنه في إثبات هذه المعتقدات الخاطئة؟
ويعد اغتيال كينيدي من أكثر الحوادث التي فرخت نظريات مؤامرة، وحتى مؤخراً عندما نشرت آلاف الوثائق المتعلقة بالتحقيق في اغتياله، ظهرت نظريات مؤامرة جديدة، مما دعا المؤرخ باريت من فيلانوفا قبل أيام للقول: «كلما وقعت حادثة اغتيال، تُثار نقاشات، وتُطرح نظريات مؤامرة إلى حد ما؛ ولن يتغير هذا الوضع بفضل هذه الوثائق أو غيرها».
رغم أن الأدلة حاسمة فإنها لم تخفف من معتقدات مناصري نظرية المؤامرة، بينما يبدو أن حجج الذكاء الاصطناعي المصممة خصيصًا تنجح؟ تجيب آني: أظن أن الاختلاف يكمن في كيفية تصور المشاركين للتكنولوجيا، ونظرًا لأنها غير بشرية، فربما نظر إليها المشاركون كمصدر محايد وليس تهديدًا لهويتهم؛ فعندما يتخذ شخص ما موقفًا متطرفًا، فإنه يزيد المسافة بينه وبين الآخرين، وتجعل هذه المسافة الموقف أكثر تكاملاً مع الهوية، وهي جزء من الطريقة التي يحدد بها الشخص نفسه على أنه متميز عن عموم الناس، وبمجرد أن يصبح الاعتقاد جزءًا لا يتجزأ من الهوية، فإنه يظل ثابتًا؛ فمن الصعب أن تبتعد عن هويتك، سواء كنت مؤمنًا بنظرية الكائنات الفضائية السرية أو من أنصار نظرية الأرض المسطحة.
ولهذا السبب قد ينجح نهج الذكاء الاصطناعي إلى حد ما، فالمشاركون لم يتفاعلوا مع إنسان، وهو ما لم يحفز الهوية بنفس الطريقة، مما يسمح للمشاركين بأن يكونوا أكثر انفتاحًا، فالهوية تشكل جزءًا كبيرًا من نظريات المؤامرة هذه من حيث التميز، مما يضع مسافة بينك وبين الآخرين، ولكن عندما تتفاعل مع الذكاء الاصطناعي، فأنت لا تتجادل مع إنسان قد تقف في معارضته، مما قد يجعلك أقل انفتاحًا، وفقا لآني.
تتنوع نظريات المؤامرة من ناحية مستوى وحجم الشطحات والخيالات وليّ الأحداث وتأويلها وفقاً لتصورات تتناقض مع أبسط الحقائق الموجودة على أرض الواقع، فالنظرية هنا ليست رأي يستند على أدلة وسياقات معقدة، بل تعتمد على نظرة مبسطة بأن الكون محكوم بتصميم سري حسبما يطرح الباحث السياسي مايكل باركون الذي يُفسر جاذبيتها في ثلاثة عناصر: تدّعي نظريات المؤامرة تفسير ما لا يمكن للتحليل المؤسسي تفسيره، وتبدو أنها تجعل ارتباك العالم المعقد المتداخل أكثر منطقية وبساطة؛ ثانيًا: تفعل ذلك بطريقة بسيطة بشكل جذاب بتقسيم العالم لقوى النور وقوى الظلام، بحيث تعيد كل الشرور إلى مصدر واحد هم المتآمرون ووكلاؤهم؛ ثالثًا: غالبًا ما تُعرض نظريات المؤامرة على أنها معرفة سرية خاصة غير معروفة أو لا يقدرها أي شخص آخر، وبالنسبة لمنظري المؤامرة، فإن الجماهير عبارة عن قطيع مغسول الدماغ، في حين أن منظري المؤامرة يملكون المعرفة ويمكنهم أن يهنئوا أنفسهم على كشف خداع المتآمرين.. وتتجسد - حسب باركون - في ثلاثة مبادئ: لا شيء يحصل نتيجة حادث عرضي، ولا شيء يكون كما يبدو عليه، وكل شيء مرتبط ببعضه.
المحتمل حالياً من الذكاء الاصطناعي أن لديه القدرة على الحد من الإيمان بنظريات المؤامرة...