وليد عثمان
يصح على التعليم في العالم العربي ما قيل مراراً في غيره من المجالات التي ضاعت فيها فرص التكامل أو التعاون في وضع نظم تعليمية تلتقي فيها المشتركات الكثيرة بين الدارسين العرب، وأهمها الثقافة بكل تفرعاتها مثل الدين واللغة والجغرافيا والتاريخ.
لا حديث هنا عن مناهج موحدة، ولا عن وحدة تعليمية، فالوحدة بمعناها العام عنوان أكثر من فشل على المستوى السياسي باستثناء التجربة الإماراتية التي تعالت منذ اليوم الأول على كل ما أفشل سواها من نماذج معروفة للجميع. وإذا كانت مشاريع الوحدة فشلت بينما كان العالم العربي تقريباً يمضي في اتجاه واحد في تجاربه السياسية والاقتصادية، فإن المناداة بها، أي الوحدة، وقد تفرقت السبل بأقطاره واختلفت درجات نهضتها وانفتاحها على العالم، تعني نوعاً من تضييع الوقت.
الصيغة الأجدى التي روّج لها خبراء منذ عقود وضاعت أصواتهم في زمن غلبة الشعارات الوحدوية، هي التكامل الذي يقوم على إسهام كل طرف بأقوى ما لديه، فتكون الحصيلة اجتماعاً لعناصر القوة. وهناك تجارب اقتصادية عربية في هذا الشأن، لكنها لا تسلم من الطعن والمناكفة السياسية كالعادة.
في التعليم، قد يكون المجال أرحب وأنسب للتكامل الذي ظهر في فترات من القرن الماضي ونجحت صيغ له قامت على دعم دول لأخرى بالمدرسين ومتطلبات التعليم ومناهجه، وهو أمر انحصر مع التطور وتبني المشاريع النهضوية الخاصة على تنقلات المعلمين، معارين أو متعاقدين بأنفسهم.
ليس المطلوب تكرار هذه الصيغة مع غياب مبرراتها، غير أن ذلك لا يمنع من البحث عن سبيل يجعل البحث عن طرائق تعليمية عربية تناسب المستقبل جماعياً، ما ينهي التيه في بعض الأقطار وسط خليط من المناهج المتخاصمة في جوهرها، أو يضع حداً للتجريب في أقطار أخرى بحثاً عن النظام التعليمي الأمثل واستدعاء أمثلة غربية تتبدل مع شخص المسؤول عن عملية التربية والتعليم بمراحلها كافة.
إن احترام خصوصية كل بلد عربي ومكوناته الاجتماعية والدينية لا يمنع الاستفادة من المشتركات، وهي الغالبة، في وضع نموذج تعليمي يستفاد منه على الأقل في مراحل التأسيس، وامتزاج التجارب المستقرة والحديثة في صيغة تجمع كل الإيجابيات وتقوّي عناصر الوحدة مع ترك هامش يتحرك فيه كل طرف بما يناسب مجتمعه.
في المراحل اللاحقة، أي بعد التأسيس، يمكن أن يتسع الهامش لكل بلد بحيث يضمن لخريجيه التمتع بما يناسب رؤاه وأهدافه فيطرق الأبواب التي تحققها.
وحتى في هذا الجانب، قد لا نجد تباينات كثيرة، فالمفترض أن لا أحد يعادي التطور والنهل من أحدث ما تحقق واستدعاء ما يصح تطبيقه منه.
قد تكون أسئلة حاضر التعليم العربي ومستقبله أقل وأخف وطأة منها في غيره من المجالات التي نبتغي فيها التكامل أو التعاون، فالأمر هنا قد لا تطاله كثيراً الخلافات السياسية، وتبدلاتها قد تنحني أمام أجيال تتأسس على التلاقي في معظم الرؤى.