أليس الحديث عن التربية والتعليم ذا شجون؟ هو أصلاً شأن الشؤون. ما طاف بالخاطر أمس من هموم العربية يجب أن يُطبّق في كل مناهج العلوم التطبيقية والإنسانية. لا جدوى من التعليم إذا أهملنا التربية، متوهّمين أن المفردتين مثل حروف الجرّ تنوب عن بعضها. لا حصر للمشكلات والمعضلات الناجمة عن ضروب الخلط واللبس في دلالتي الكلمتين.
لعل العلوم أجلى بياناً. في علم الأحياء يضع الشقّ التعليمي في متناول الطالب المعلومات الضرورية عن الخلية الحيوانية، وتفاصيل مكوّناتها، لكن الشقّ التربوي هو الذي يجعل الطالب يفكّر وتنفتح أمامه آفاق البحث العلمي. من حق أنظمة التعليم العربية أن ترى هذا الكلام من قبيل توضيح الواضحات وتفسير الماء بالماء، و«البرهان» أن الخريطة العربية ملأتها التنميات المتعثرة مراكز بحث علمي حتى ضاقت عن الخلائق. ما تستطيع التربية أن تُسديه إلى ذهن الطالب قد لا يوجد حتى إشارةً وتلميحاً في أيّ مقرّر في مادة البيولوجيا، لسبب منهجيّ بيداغوجيّ، وهو أن التعليم مقيّد بمنهج وبدروس معينة في سنة دراسية بعينها. التربية قادرة على فتح نوافذ خارج نصوص الموادّ.
في شأن الخلية بالذات ما أروع أن ينشر الأستاذ أجنحة الفكر والخيال لدى طلاّبه ويطلقها في فضاءات التأملات، أن الخلية ليست هي الخطى الأولى التي كُتبت علينا فمشيناها على طريق الحياة. كل الخلايا الحيوانية رهن بالعناصر الستة الأساسية، التي تجمعها الإنجليزية والفرنسية في كلمة «شنوبس»: كاربون، هيدروجين، نيتروجين، أوكسيجين، فوسفور، كبريت. وهذه ظهرت قبل مليارات السنين، أوّلها الهيدروجين الذي يشكّل 10% من أجسامنا، ويعود إلى الانفجار العظيم (13.8 مليار سنة). جميلٌ أن يتجلى بومضة صوفية قائلاً للطالب: «أتحسب أنك جرمٌ صغيرٌ.. وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ؟». قبل نهاية الحصّة بدقيقة، يسأل الدارسين: فكّروا في هذه المسألة: هل ترون حدوداً مرسومةً بين الأحياء والكيمياء والفيزياء؟
لن يكترث الطلاب لصعاب حفظ الدروس، والخوف من الامتحانات وشبح السقوط. تلك التربية المهملة ستكون عصا سحرية يتوهج بها عشق العلوم والبحث العلمي فتشرق في أذهانهم الآية: «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق».
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغزية: يبدو هذا الطرح معقولاً، اللغز هو منطق الأشياء لدى المناهج العربية، وبما أنهم ألوف، فالقلم هو المخطئ، في نظرهم.