من أكبر أكذوبات سوق العمل من يقولون إن: "المحتوى الجيد يسوق نفسه بنفسه"، والحقيقة أن التأخر في احتراف التسويق كصناعة وممارسة قد يكون له مبرراته قبل عشر سنوات؛ لكن اليوم ومع هذا الحراك الثقافي والاجتماعي فلا حجة للفاعلين والمهتمين بترك هذه الحرفة المهمة والمهارة التي أجد أنها أساسية لكل فرد مهما كانت مكانته، فالقائد الواعي يدرك ضرورة تسويق أفكار منظمته وفريقه وقبل هذا كله تسويق الدول يبدأ من الأفراد والنجاحات الفردية. ولعل أكبر خطأ ملاحظ في حملات التسويق لدينا والمبادرات أنها تروج لفترة وسرعان ما تنطفئ أنها "لحظية" و"تفاعلية" فسرعان ما تخبت تلك الحملات ويقل التفاعل بل لك أن تشاهد بعض الحسابات لمشاريع كبرى تكاد لا تنشر أي محتوى من عام لعام ومؤشر النشر هو الأهم فالأشخاص يحتاجون لرؤية محتوى مستمر للفكرة ولأقرب المعنى قم بفرز الحسابات التي تتابعها في أي تطبيق وشاهد تاريخ آخر منشور وستفهم جدية هذه الجهات من عدمها حتى على مستوى الأفراد نشاط صانع المحتوى قد يؤثر حينما يتوقف لأشهر دون توضيح للجماهير بل تغيير المنشورات أو تقليص التفاعل قد يغير معادلة التأثير بشكل حاد إما بالسلب أو الإيجاب.
إن التسويق بصورته البدائية نشاط مارسه الإنسان منذ القدم بهدف إشباع الحاجات والرغبات، وتبادل المصالح، وتطور المفهوم وممارساته مع الزمن والذي يبدو أنه لا يزال الكثير من الأشخاص والمنظمات يعيشون في عصر المنتجات بحيث تكتفي الشركات أو قطاعات التعليم والإعلام بالمنتج وجودته وينقطع السند فور تصديره، بالمقابل تجد أن من يؤمنون بالتسويق لا يقفون عند خروج المنتج بل يتابعون دورته ونجاحه ويستقصون الآراء حوله ولا يترددون بالأخذ بالتغذية الراجعة بل تتفوق بعض قطاعات التعليم الدولية بالاعتزاز بالتسويق لطلبتهم واستقطابهم كشكل من أشكال الثقة وتعزيز الصورة الذهنية حول المنظمة، وكم هو من المحزن أن تنزل للشارع والحياة الواقعية وتجد أصحاب قرار ومنوط بهم نجاح المنظمات ولا يدركون قيمة هذا الأمر بل لا يهتمون بتوفير ميزانيات خاصة للأنشطة الإعلامية والدعاية.
في بعض الأحيان أجد وكأننا نعيش في مجتمعات متوازية بمعنى نتفق بالأطر العامة لكن تجد تباينا شاسعا في الممارسات المهنية والثقافية، وهذه الفجوة بحاجة لرصد مستمر وتقليص ولا يمكن التعويل على الوعي عن بعد (عبر التطبيقات) مهم أن تكون هناك أنشطة ميدانية تثقيفية حول الممارسات الإعلامية الإيجابية للأفراد ودعم صناع المحتوى المتميزين، أيضا مهم أن تكون هناك (بنش مارك) لكل جهة وكل في مجاله، والأهم أن تراعى أخلاقيات التنافسية وعدم الإضرار بالآخرين أو النيل منهم كما أن السمعة في مجتمعنا متعدية من الفرد للكيان فإن مراعاة الدقة في نقل المعلومات حاجة ماسة في ظل هوس النشر والمشاركة.
أخيرا؛ "اعرف جمهورك" وأين ملعبك؟ ومن هم المهتمون بما لديك؟ واصنع شبكة مهنية تقوم على الشفافية والاحترام والتقدير، واهتم جيدا بما تريد أن تقول وكيف ومتى ولماذا، فأنت لن تندم على الصمت لكن بالتأكيد ستندم إن تحدثت فيما لا يعنيك وما لا تتقنه، وقنن قدر المستطاع آليات ظهورك أو منظمتك حتى لا تحترق وتصبح ذا وجه مألوف أي أحد يمكنه توقع ما سوف تقول.. دمتم بخير.