: آخر تحديث

جسد العالم

8
7
8

لعلّ عبارة الكاتب الأفغاني (إدريس شاه 1924-1996) الموجزة المكثّفة «إن صنع شيء ما قد يكون في الغالب أسهل من وَصْفِهِ» تنطبق أكثر ما تنطبق على الشعر، فكتابة الشعر أسهل من وصفه ومن تعريفه، لكن إذا كان لا بدّ من تعريف، فالشعر هو جسد اللغة وروحها، واللغة في الكثير من تعيينها الأدبي هي جسد آخر للإنسان.

ليست أجسادنا مكسوة فقط بجلودنا التي تتميّز وتتحدّد بألوانها (العنصرية، والإثنية) نحن مكسوون باللغات، واللغات لا ألوان لها ولا لها تمييزات العِرْق والبشرة والدّم، وربما من هنا يمكن القول إن الشعر كما هو جسد اللغة، هو أيضاً جسد العالم.

أكتب هذه التداعيات في يوم الشعر العالمي مُحاولاً استعادة ما تبقى في الذاكرة من كتاب قرأته قبل سنوات في تسعينات القرن العشرين وصدر هنا في الإمارات بعنوان «تغذية الشمس» عن المجمع الثقافي في أبوظبي. والكتاب مجموعة قصائد متلاقية ومتجاورة لعدد من شعراء آسيويين مقيمين في الدولة، كتبوا عن الحياة، بل كتبوا الحياة اليومية، والإنسانية، والأخوية الطفولية في الإمارات.

كان وراء جمع هذه النصوص في كتاب الشاعر والصحفي اللبناني أحمد فرحات، الذي زار بعض هؤلاء الشعراء في بلدانهم وقد أصبحوا أصدقاءه في الإمارات، وفي كل مكان له هوية الشعر.

في اليوم العالمي للشعر، إذا كان من تقرير لحالة ثقافية عالمية للشعر، فهي تلك الحالة القائمة الآن في دولة الإمارات العربية المتحدة، بل هي حالة شعرية بامتياز ترقى في وصفها الموضوعي إلى كونها ظاهرة أساسها أكثر من مئتي جنسية من جهات العالم كلّه تعيش، وتقرأ، وتكتب، وتفكر في الإمارات.

شعراء وشاعرات من العالم مقيمون في الدولة، إمّا بين عائلاتهم كطلبة وشباب يصنعون حياتهم المدنية الحضارية هنا في الإمارات، وإما أنهم موظفون في مؤسسات تجارية أو اقتصادية أو إدارية، وإمّا أنهم أكاديميون يعملون في الجامعات وفي المعاهد العليا، وإما أنهم يعملون في حقل الإعلام والصحافة. في كل هذه المواقع والكيانات المهنية والوظيفية هناك أناس مثقفون مولعون بالقراءة الإنجليزية والهندية والفرنسية والروسية والصيّنية والألمانية والإيطالية والإسبانية، ثم لا نقول ذلك جزافاً، بل هي مؤشرات القراءة التي ترصدها عادة منصّات معارض الكتب في الدولة.

في هذه الخريطة الاجتماعية والسكانية والثقافية في الإمارات يعيش شعراء وشاعرات يكتبون بلغاتهم، وأعداد هؤلاء تتزايد وتوجد تنوّعاً ثقافياً وأدبياً لا مثيل ولا نموذج مشابهاً له في العالم كله.

الشعر جسد اللغات، وجسد العالم. هذا صحيح تماماً هنا في الإمارات.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد